هند كامل : أنا ابنة المسرح قولاً وفعلاً

هند كامل : أنا ابنة المسرح قولاً وفعلاً



اجرى الحوار : علاء الخطيب
هند كامل تاريخ من الاعمال الفنية التي شكلت وجدان الانسان العراقي وحفرت في الذاكرة مشاهد لا تنسى من رائحة القهوة. مروراً بالدمعة الباردة واحلام صغيرة واغتيال المتنبي وعائلة على صفيح ساخن حتى ام بديلة في الموسم الرمضاني الفائت، محطات ومسيرة فنية طويلة لفنانة عرفها الجمهور واحبها .
في هذا الحوار نفتح خزائن الفنانة الكبيرة هند كامل لنطلع القراء على المسيرة الفنية لفنانة قدمت الكثير للدراما العراقية ولا زال عطائها لا ينضب .

تعرفتِ على خشبة المسرح وانت طفلة صغيرة ، ووقفتي على المسرح وانت طالبة فنون ، وانت من عائلة فنية بامتياز ماذا اعطت لك البيئة وماذا اخذت منك ؟

نعم نشأت في وسط عائلة فنية صرفة من الجانبين، والدي كان مهندس زراعي يعنى بتنسيق الزهور والحدائق ، لكنه كان مصوراً فوتغرافياً وهي مهنته التي عشقها ، اما والدتي السيدة فوزية الشندي فهي فنانة معروفة والجميع يعرفها .
بيئتي كانت غنية بالمعايير الثقافية والفنية، وقد قدمت لي سلوك وفن وثقافة وكتاب، طورت من وعيِّ ونصجي العاطفي ، فكانت بيئة مثالية، خلقت مني انسانة مؤثرة في الوسط الفني ، لكنها اخذت مني الكثير ، فانا نضجت في عمر مبكر ، واتسعت رؤيتي قبل سنيني ، بيئتي غرست في روحي معايير عالية ، هذه المعايير تطلبت مني جهد مضاعف على ان اكون بمستوى هذه القيم التي كانت مطروحة في الوسط العائلي على المستوى الفني .
كانت الاجواء التي تربيت فيها سلاح ذو حدين ، من جانب انا ابنة هذه العائلة واشبهها في كل شيء وانتمي الى اخلاقياتها ، ومن جانب اخر كان علي ان اعيش في مجتمع قد لا اكون بالضرورة اشبهه او يشبهني ، وهنا تكمن الصعوبة ، في كيفية التوفيق بين البيئتين ، ربما يجدونني مختلفة ، وهذا ما لمسته عند دخولي العمل الفني .

س:
عملتِ مع فنانين كبار امثال يوسف العاني وسامي عبد الحميد وسامي قفطان، قاسم الملاك غزوة الخالدي ومجموعة كبيرة من الفنانين العراقيين
كيف تقيمين هذ التجربة ؟
انا عملت في المجال الفني قبل دخولي للدراسة الاكاديمية بسنوات، حيث عملت كممثلة اذاعية وضمن برامج كبيرة مع المسرح العالمي والعربي وانا عمري 14 سنة ، العمل الاذاعي. صنع مني ممثلة تجيد اللغة العربية ، وهذا الفضل يعود الى البيئة التي عشت فيها ، وقد فزت بجائزة الخطابة على مستوي العراق وانا عمري 12 سنة.
فيما عملت مع فنانين كبار وهم اساتذتي وكنت صبية صغيرة ، لكننا كنا نتعامل باحترام مهني وهيبة شديدة وانضباط راقي .
كنت اراقب وانصت ولا اتحدث الا قليلا ولا اجيب الا عندما اسأل ، كنت اتعلم في كل خطوة ، واراكم معلوماتي ، ولا افرح بالمديح والاطراء ، كي لا يصيبني الغرور والكبر .
عملت في اذاعة بغداد وصوت الجماهير مسلسلات اذاعية لكتاب عالميين ، كما عملت مسلسل غنائي ” سيدة قرطبة ” في 30 حلقة وغنيت 9 موشحات اندلسية لحنت خصيصاً لي .
كانت الاعمال العراقية على مستوى عالي من الكفاءة والحرفية .
وعند انتقالي من العمل الاذاعي الى العمل التلفزيوني واجهتني بعض التحديات ، وشهدت حالات من التنمُّر الخفي ، اذ كان البعض يعتقد انني ابنة فنانة معروفة فان فرصي اكبر ، وحصولي على الاعمال على حساب الاخريات، لكن وبكل صراحة اقول ربما هذا كان عامل مساعد ، ولكن هذه الميزة لا يمكن ان تمنحني الافضلية ان لم اكن موهوبة ومجتهدة ، فالوسط الفني كان يحسب حساب لهذه المعايير المهنية .
انا كنت اخوض صراع كبير وتحديات في الوسط الفني ، كان عليَّ دائماً ان اثبت انني لست فقط بنت فوزية الشندي الممثلة المشهورة، بل انني ممثلة موهوبة ولدي الكفاءة والقدرة في مجال عملي .
وكذلك كان علي َّ ان اثبت ان جمالي ليس هو وراء نجاحي، بل اجتهادي ومثابرتي وموهبتي .
وان الفرص التي منحت لي عن جدارة وكان ورائها موهبة حقيقة ، وكنت احدث نفسي دائما ان اقدم ما هو افضل في كل خطوة لاحقة .

اين المسرح في حياة الفنانة هند كامل ، هل مازال عشقك الاول ؟

انا تشربت بالجو المسرحي الحقيقي، فمنذ طفولتي وانا ارافق والدتي في البروفات المسرحية مذ كانت طالبة في معهد الفنون .
عندما اتحدث عن المسرح اكاد اشم رائحته واتحسس أزيز الخشبة عندما يمشي عليها الممثلون ، اتلمس نعومة الستارة ، شعور غريب لا يمكن ان اصفه، لكن حين دخولي للتلفزيون والسينما ، سحرتني الكاميرا وسرقت قلبي ، لذا عشقت العدسة واحببت التعامل معها وقدمتها على المسرح ، وربما كانت تجربة التلفيزيون والسينما لها مذاق اخر في روحي وكان هذا السبب .
اعمالي المسرحية اقتصرت على الدراسة الاكاديمية ، وقد عرضت عليَّ الكثير من الاعمال ، لكني لم اكملها ، رغم قيامي ببعض البروفات الاولية .
فكما هو معروف ان المسرح يحتاج الى تفرغ وانا كنت مشغولة بالاعمال التلفزيونية و في سفر دائم متواصل ، اذ لم تتح لي الفرصة في هذا المجال .


ما الفرق بين الجيل الحالي من الفنانين وبين جيل الكبار ؟
الاسماء الكبيرة من الفنانين الرواد وضعوا بصماتهم وقدموا للفن الكثير ، وكان لهم تأثير كبير في تاريخ الفن العراقي. وانا ضد مقولة ” فلان لن يتكرر ” فاعتقد ان الغد يحمل الافضل والحياة معطاءة ، ولكن نحتاج الى جهد ومثابرة واخلاص ليصقل الجيل الجديد .
عملت مع جيل من المبدعين وانصاف المبدعين ، لكن الجميع كان يعمل تحت المعايير المهنية والانضباط بقواعد العمل الفني ، للاسف اليوم اجد صعوبة في اعادة تأسيس مفهوم العمل تحت المظلة المهنية وتقديمه للجيل الجديد.
فهناك فرق كبير بين جيلنا والجيل الحالي، ورغم ابتعادي عن العمل الفني وتفرغي لتربية ابني ، لكن كنت اعمل مع فريق منسجم ، اعرفه ويعرفني .
بعد عودتي وجدت صورة سريالية فيها الكثير من العدمية واللا مهنية، وكأني “أليس في بلاد العجائب” ، لم اقل هذا تذمراً ، ولكن هذا هو الموجود ، وعلينا ان نتعامل معه ، فمن الصعوبة ان تعزف منفرداً وبعيدا عن الاخرين و تغرد خارج السرب ، وبنفس الوقت من الصعوبة ان تنضم الى جوقة من النشاز ، لكن يجب ان اتكيف واستفيد من كل خبرتي المهنية وفي كل المستويات والمجالات .
علمتني تجاربي المرونة والصبر وفهم الاخر وقراءة ما حولي بتأني ، لكني لست واثقة من اكمال مشواري ، فانا بين الاستمرار والتوقف في تجربتي الجديدة .

س: الدراما العراقية تعثرت وتعاني من اسباب عديدة ما بعد 2003 برأيك ما هي المشاكل التي تواجه صناعة الدراما في العراق؟

في العراق لا نمتلك صناعة درامية لا تلفزيونية ولا سينمائية ولا حتى برامجية ، للاسف لم نستطع ان نخلق تقاليد مهنية او ان نؤسس نظام مؤسساتي يحمي الحقوق ويطالب بواجبات ، عملنا ارتجالي ، نعتمد الاستسهال والتقليد المشوه ، نهرول وراء الصيحة الفنية ، ولا نعير المفهوم الفني اي اعتبار.
العمل الفني يحتاج الى وعي وادراك وانضباط و معايير مهنية عالية.
فالمطرب والممثل والمخرج والاعلامي ليست القاب تمنح لكل من هب و دب
فنحن نعيش في اللامكان واللازمان.

س هل اللهجة العراقية تعلب دور في صعوبة التسويق وبالتالي عدم اقبال المنتجين على صناعة الدراما باعتبارها خسارة مادية ؟
الانتاج الفني يحتاج الى اموال ورؤية اقتصادية وفنية ، فما يجري في المشهد الفني العراقي حاليا يفتقد للمال والرؤية معاً .
فمجرد ان تنفق اموال في انتاج فني غير ذات قيمة ، هو عمل عشوائي ، يجب ان يحترم العمل الفني عقل المتلقي ، ويكون ذات جدوى ومحسوب بكل الاتجاهات .
علينا ان نحترم المفاهيم ونعمل عليها.

بعد ظهور جيل جديد من الممثلين ولك تجربة مؤخرا في ام بديلة كيف وجدتِ هذا العمل ؟

مسلسل أم بديلة كانت له ميزات ، اولها ان انتاجه كان من محطة لها خبره وقدرة في الانتاج الدرامي ، وهو عمل مشترك ، تفاعلت معه ، فانا احبذ التجارب المشتركة ، وقد عملت في تجارب عربية كثيرة وهي مفيدة ، تساعد على الانتشار وتقرب الفنان الى الجمهور وبالاخر ، وتكسر الحواجز النفسية.
وقد عملت ايام ضائعة مع الفنان عبد المجيد مجذوب والفنانة شذى سالم والفنانة سميرة بارودي . وكذلك عملت مسلسل في ابو ظبي ومسلسل المرايا .
س
هناك لغط وانتقادات كثيرة وجهت لمسلسل ” ام بديلة ” وقيل انه نسخة مقتبسة عن مسلسل تركي. ” لعبة القدر ” مع انه حقق نسبة مشاهدة كبيرة ، ما صحة هذه الاقوال ؟
ام اسمع بهذا الكلام الا بعد عرض الحلقة الاولى ، لكن باعتقادي وان كان مقتبس من عمل تركي فهذا ليس عيباً ، فهناك برامج عالمية تعرض بكل النسخ وهي مقتبسة عن النسخة الاصلية .
العمل حقق نسبة مشاهدة عالية وكان الفريق الفني مجتهد وهو عمل ناجح على مستوى الانتاج والاخراج ، وفيه اسماء عراقية ولبنانية كبيرة و ذات خبرة، كالفنان كعادل عباس والفنان اسعد رشدان ومجموعة من الفنانين الاخرين .


عملت مع فنانين بثلاث مستويات من المواهب ، هي الموهبة الناضجة والموهبة الميدانية ذات الخبرة المتكررة ، وموهبة جديدة .
فهناك اختلاف بين هذه المستويات ،
فانا مثلا خريجة المؤسسة الفنية العسكرية ، التي نشأت على الانضباط، والالتزام ، واحترام بعضنا البعض .
اما الجيل الجديد فقد نشأ في ظروف مختلفة وبيئة مختلفة، لكن العمل المشترك ولد لديهم شعور بالانضمام لتقاليدنا ، حينما شاهدوا كيفية التعامل مع التقاليد والمعايير الفنية.
وهذا انعكس فيما بعد على ظهورهم الاعلامي .

عملت في الانتاج التلفزيوني وشاركت زوجك المخرج الكبير الاستاذ فيصل الياسري في تأسيس شركات انتاج ، لماذا توقفت هند كامل عن الانتاج ؟

اسسنا اول شركة ” سومر ” لانتاج الاعمال السمعية البصري. في اوائل التسعينات ، وكذلك شركة الديار للانتاج الفني ، ومن ثم قمنا بتأسيس قناة الديار
لكن البلد مر بمنعطفات كبيرة وخطيرة
منذ الحصار الذي فرض على العراق وشمل الفنان العراقي ومنعت الاعمال العراقية ، ثم ما رافق من احداث بعد الـ 2003 .
وكما يقول وول ديورانت في ” قصة الحضارة ” ” اذا توفر الامان توفر الابداع ”
فبغياب الاستقرار لا يمكن للفن ان يزدهر وبالتالي ليس هناك انتاج دون مردود مادي . من خلال. التوزيع والبيع ..

كيف ترين بغداد اليوم ؟
حسره كبيرة رافقت جواب الفنانة هند كامل وهي تتحدث عن بغداد .
تقول : بغداد .. هي ليست بغداد التي تربيت ونشأت بها ، وليست بغداد التي اعرفها او المرسومة في مخيلتي، لكني احلم بعودة بغداد الى صباها وغنجها وعودة مدينة تليق باسمها .
تبعثرت كلماتها وقالت العاطفة تسرق مني الكلمات عند الحديث عن العراق وبغداد.

وكيف تنظرين للفن العراقي في السنوات الاخيرة ؟
المشهد الفني في العراق فيه الكثير من المواهب والقدرات ، لكنه يحتاج الى جهود كبيرة ، فهناك احلام ومشاريع وطموح ، والفنان العراقي معطاء.

كلمة اخيرة عبر المستقل

كان الحوار ممتع ، استفز فيَّ الماضي وحفزني على جوانب مهمة كادت ان تضيع في زحمة الحياة وتقادم الزمن
شكراً لكم سانتظره على صفحات المستقل

(Visited 103 times, 1 visits today)

21 Comments

  1. What i do not understood is actually how you are not actually much more well-liked than you might be now. You’re so intelligent. You realize thus significantly relating to this subject, made me personally consider it from so many varied angles. Its like men and women aren’t fascinated unless it is one thing to accomplish with Lady gaga! Your own stuffs outstanding. Always maintain it up!

  2. Somebody necessarily help to make significantly articles I’d state. This is the first time I frequented your website page and so far? I amazed with the analysis you made to make this particular put up incredible. Excellent activity!

  3. My spouse and i got very comfortable that Emmanuel could complete his investigation through your ideas he got when using the web pages. It’s not at all simplistic to just find yourself releasing facts that some other people could have been making money from. We really fully grasp we need the website owner to be grateful to for that. All of the illustrations you’ve made, the straightforward blog menu, the friendships you make it easier to foster – it’s mostly fabulous, and it is leading our son and our family reckon that that subject is exciting, which is really vital. Many thanks for everything!

  4. The next time I read a blog, I hope that it doesnt disappoint me as much as this one. I mean, I know it was my choice to read, but I actually thought youd have something interesting to say. All I hear is a bunch of whining about something that you could fix if you werent too busy looking for attention.

  5. I am not sure where you’re getting your info, but good topic. I needs to spend some time learning much more or understanding more. Thanks for great information I was looking for this information for my mission.

  6. An attention-grabbing discussion is price comment. I think that you should write more on this topic, it may not be a taboo topic but usually individuals are not enough to talk on such topics. To the next. Cheers

  7. I was very pleased to find this web-site.I wanted to thanks for your time for this wonderful read!! I definitely enjoying every little bit of it and I have you bookmarked to check out new stuff you blog post.

  8. Thank you a bunch for sharing this with all of us you really recognize what you are speaking approximately! Bookmarked. Please additionally talk over with my site =). We can have a link change contract between us!

  9. That is really fascinating, You’re an excessively skilled blogger. I’ve joined your rss feed and sit up for seeking more of your excellent post. Additionally, I’ve shared your web site in my social networks!

  10. Thank you, I’ve just been searching for info about this topic for ages and yours is the best I’ve discovered so far. However, what concerning the conclusion? Are you sure concerning the supply?

  11. I’ve been browsing online more than 3 hours today, yet I never found any interesting article like yours. It is pretty worth enough for me. Personally, if all website owners and bloggers made good content as you did, the internet will be a lot more useful than ever before.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *