حاورته الصحافية الدكتورة سناء شامي
المستقل /بيروت / فينيسيا
تمر في 21 أيلول سبتمبر الجاري الذكرى الرابعة والأربعين لليوم العالمي للسلام، حيث تشهد منطقتناأحداثًا أليمةً، وتتعرّض غزة منذ نحو عامين إلى حرب إبادة بكل معنى الكلمة، وبهذه المناسبة التقيناالمفكر والأكاديمي العربي الكبير الدكتور عبد الحسين شعبان المعروف بدعوته للسلام العالمي والسلامالعربي وحقوق الإنسان، وسبق له وأن قام بمبادرات عربية ودولية عديدة ونشر كتبًا ودراسات ومقالات،وشارك في تأسيس منظمات مختلفة لمناصرة الحقوق العربية، وحاورناه حول فلسفة السلام وثقافتهوالتربية عليه وإدامته ومفهوم السلام لدى النخب السياسية والثقافية العربية، وما يحتاجه العالم العربيعلى هذا الصعيد في حياتنا اليومية.
أسس مجموعة السلام العربي التي ضمت سخيات عربية بارزة منهم الرئيس علي ناصر محمد والوزيرالسابق سمير الحباشنة، وبدأنا حوارنا من هذه النقطة.
” أنا حزين وحزني لا يعادله ثقل جبل”
* متى تأسست مجموعة السلام العربي، وما هي أهدافها، وكيف تنظر إلى ما قدمته منذ تأسيسها إلى اليوم؟
بدأ النشاط الأولي بإصدار بيان حول السلام والمصالحة في اليمن وقعّه عدد من الشخصيات اليمنيةوالعربية وذلك في العام 2018، ثم توسّع الأمر ليغطي القضايا الشائكة في بلدان عربية عديدة عانت منالاحترابات والنزاعات غير اليمن، مثل ليبيا ولبنان وسوريا والسودان الصومال وغيرها ، وبالطبع لن ننسىفلسطين فهي كانت وما تزال تعاني من احتلال وإجلاء واستيطان، بل من جريمة حرب إبادة مكتملةالأركان.
عقدت المجموعة مؤتمريها الأول والثاني في مبنى جامعة الدول العربية بالقاهرة، وهي بمثابة رسالةتطمين إلى الدول العربية بأنها ليست محسوبة على محور من محاورها، الأول في أكتوبر 2022،والثانيفي أبريل 2024. أما أهم أهدافها فهي نشر ثقافة السلام والقيام بمهمات وساطة نزيهة بين الأطرافالعربية المتنازعة وعبر الحوار وصولّا إلى تسويات سلمية وتفاهمات سياسية.
ما قدمته المجموعة خلال السنوات الستة المنصرمة ما يزال متواضعًا، وربما غير منظور، لكنها تسعىبالتراكم إلى تحقيق مصالحات وطنية داخل كل بلد عربي يعاني من نزاعات مسلحة وبين البلدان العربيةالتي تعيش نزاعات بينية حدودية وغير حدودية.
وقد قامت المجموعة بمبادرة لرأب الصدع الفلسطيني بين فتح وحماس ورحّب بها الرئيس محمودعباس وقادة حماس كذلك، وعملت على إنضاج مشروع مصالحة يمني حظي بترحيب جميع الفرقاء،والأمر شمل ليبيا وسوريا آنذاكُ.
وشارك عدد من أعضاء المجموعة في لقاءات بالعراق في بغداد والنجف وأربيل، كما حضروا مؤتمراتوفعاليات فكرية وثقافية بهدف نشر ثقافة السلام والمصالحة والحوار وقبول الآخر، وكان لمقرها فيالأردن دورًا مهمًا في إدارة العمل خلال الفترة المنصرمة.
*طيب دعوت كثيرًا إلى السلام، ولكن ما هو مفهومكم للسلام؟ وهل يمكن تحقيقه في ظل الصراعات الدولية والإقليمية والعربية – العربية اليوم، فضلًا عن النزاعات الأهلية؟
**السلام ركن أساس من أركان التنمية، فلا تنمية دون تقدم حقيقي ودون عدل، والعدل والسلاموالمساواة والشراكة والمشاركة وبالطبع الحريّة هي عناصر أساسية لمواطنة متكافئة سليمة وحيوية.
السلام يعني تطويق بؤر التوتر والحروب ومنع نشوبها،وبعد حدوثها البحث عن حلول ومعالجات سلميةودبلوماسية لإيجاد تسوية عادلة لها، وقد نصّ ميثاق الأمم المتحدة على أنه حفظ السلام والأمنالدوليين هو أحد مقاصد الأمم المتحدة.
أعرف أن الدعوة إلى اللّاعنف والتسامح تكاد تكون مثالية، لكن بديل السلام واللّاعنف والحلول الوسط هوالعنف واللّاتسامح واستمرار النزاع والتعصّب والتطرّف ووليدهما العنف والإرهاب، سواء على صعيد كلّدولة أو على الصعيد الدولي.
الدعوة إلى السلام هي استجابة لأنسنة الإنسان بإبعاده عن كل أشكال القهر المادية والمعنوية، خصوصًاالحروب والنزاعات المسلحة واستخدامات العنف غير المشروعة، التي تترك ندوبًا لدى المجتمعاتوالأفراد لا يمكن محوها بسهولة، وقد تستمر أجيالًا في الذاكرة الجمعية.
أعرف صعوبة تحقيق نظام عادل للعلاقات الدولية، ومثل هذه الدعوة تحتاج إلى تغييرات في موازينالقوى، فقد انتقل النظام الدولي من القطبين العملاقين الذي ساد خلال فترة الحرب الباردة (1946 – 1989)، إلى نظام أحادي القطبية بعد انهيار الكتلة الاشتراكية في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات،حيث تغيّر شكل الصراع الأيديولوجي الدولي، واخترعت الولايات المتحدة الإسلامفوبيا (الرهاب منالإسلام) بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر الإرهابية الاجرامية في العام 2001، علمًا بأنها كانت وراء إنشاءتنظيمات إرهابية مثل القاعدةوغيرها إثر الغزو السوفياتي لأفغانستان في العام 1979وما بعده.
*اليوم ترى الغرب يصنع الحروب من أجل الوصول إلى السلام، ما تعليقك على هذه الثنائية المتناقضة؟
**تقصدين قول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي قال ما مفاده نصنع الحرب من أجل فرض السلام،ولذلك أقدم على تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب غير مكترث بالدعوات التي تطالب بتحقيقالسلام ومنع قيام حروب جديدة ووقف حرب الإبادة على غزة، وزعم الرئيس الأمريكي أن تغيير اسمالوزارة هو لتحقيق النصر والقوة، ولعل لمثل هذه الأطروحات تداعيات جديدة على نظام العلاقاتالدولية.
وبالمناسبة فإن هذه التصريحات جاءت بعد مؤتمرشانغهاي الذي يذكّرنا بمؤتمر باندونغ وإن كان الفارقبينهما 70 عامًا، فقد كان مؤتمر باندونغ 1955 إعلانًا عن نشوء حركة عدم الانحياز شارك فيه الرؤساءنهرو وجمال عبد الناصر وشوانلاي وسوكارنو،ومن جملة قراراته الدعوة إلى السلام وحق تقرير المصيروالتحرّر من ربقة الكولونيالية واحترام السيادة وغيرها من المبادئ.
أما مؤتمر شانغهاي فهو تحالف واسع ضمّ إضافة إلى الصين روسيا والهند وعدد من الدول الإسلاميةمثل تركيا وإيران وباكستان وإندونيسيا، وللأسف لم تحضره أية دولة عربية، فهو يمكن أن يشكّل قوةاقتصادية وسياسية كابحة لمطامع واشنطن ومطامحها غير المشروعة هي وحليفاتها، ويمثل مؤتمرشانغهاي ضدًّا نوعيًا للمعسكر الآخر، وبشكل خاص لحلف الناتو المدعوم أمريكيًا.
*خلال لقاءاتي بك في بغداد وفينيسيا وبرلين وبيروت كنت دائمًا رافضًا للسياسات الاستعلائية الغربية مثل رفضك للدكتاتوريات والأنظمة المستبدّة، هل يمكن للغرب أن يتخلّى عن الحرب والعنف، وهما أداتان تأسيسيتان لفكره السياسي؟
**ما زال موقفي كما تعرفين ضد الحروب وضد العنف بجميع أشكاله وصوره ومبرراته باستثناء الدفاععن النفس، والذي ما أن ينتهي الفعل لا بدّ لردّ الفعل أن يتوقف، وأزعم أن الدعوة للسلام تنبع من اعتبارإنساني،وكمثقف وأحترم ثقافتي فإن جوهر الثقافة هو السلام ونبذ الحروب .
من هذا المنطلق ينبغي نشر ثقافة السلام، والسلام فلسفة حياة تقوم على التفاهم والتآخي والتعاونبين البشر دون تمييز بسبب الدين أو العرق أو اللغة أو الجنس أو اللون أو الأصل الاجتماعي، وهو مبدأأخلاقي وإنساني أيضًا.
وإذا كانت القاعدة في التاريخ البشري هي الحروب لذلك ينبغي العمل لتحويل الاستثناء ليصبح قاعدة،وأعني به تحقيق السلام، وأظن أن ذلك ينبغي أن يكون مشروع أي مثقف تنويري، خصوصًا دعوته للسلامالقائم على العدالة.
ففي العام 1981 أعلنت الأمم المتحدة يومًا عالميًا مكرّسًا لتعزيز مثل السلام وقيمه لنشرها في العالمبين الأمم والشعوب وفيما بينها، وفي العام 2001 اتّخذت قرارًا يجعل من هذا اليوم مناسبة لوقف العنفوإسكات البنادق.
*ولكن هل توقف العنف وهل أسكتت البنادق؟
**للأسف إن مناسيب العنف ارتفعت وازدادت لعلعة الرصاص، خصوصًا في ظلّ تفرّد الولايات المتحدةبالقرار الدولي وإخضاعها الأمم المتحدة لسياستها مستغلّةً أحداث 11 أيلول / سبتمبر 2001 لتقوم بغزوأفغانستان في العام ذاته واحتلال العراق في العام 2003 بحجج واهية، أثبت الواقع زيفها وبطلانها.
*في ظل تشرذم الواقع العربي، كيف يمكن صناعة سلام عربي؟
**لأن الواقع متشرذم فلابدّ أن نسعى جميعًا، وكلّ من موقعه لتحقيق السلام، ويتطلّب الأمر اعترافًابالآخر وحقه، وبالتالي اعتماد الحوار وسيلة مجربّة للتفاهم والتسويات والحلول الوسط التي تكونمرضية للجميع وعلى أساس المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، علمًا بأن ما يجمع الأمة العربيةالكثير، مثل اللغة والأديان وبخاصة الدين الإسلامي والثقافة والتاريخ المشترك والكثير من العاداتوالتقاليد، ولابد هنا من تعظيم الجوامع وتقليص الفوارق واحترامها.
والامر لا يخصّ علاقة العرب مع بعضهم، بل مع جيرانهم أيضًا، وكنت قد دعوت إلى ويستفاليا عربيةووسّعتها لتشمل ويستفاليا مشرقية، بالتفاهم بين العرب والكرد والفرس والترك على أساس حق تقريرالمصير والمشتركات الإنسانية، وتعرفين أننا نظّمنا أكثر من فاعليةوملتقى منذ عقود من الزمن على هذاالصعيد، وقد بلورسمو الأمير الحسن بن طلال الفكرة، فدعا إلى حوار “أعمدة الأمة الأربعة” بما تمثّلهذه العلاقة من استراتيجية تكاملية يمكن أن يكون دورها مؤثرًا على الصعيد العالمي بما تملكه منثروات طبيعية وكفاءات وطاقات وعقول وبحار وأنهار وزراعة، فضلّا عن حضارات وتاريخ هي الأقدم فيالعالم.
*الغرب يعمل على خلق تفرقة بيننا كعرب ومع جيراننا،فهل نستطيع تجنّب تربصاته؟
**الغرب ليس كلي الجبروت والقدرة، ولكن ضعفنا واحترابنا وتشبثنا بالمصالح الأنانية الضيقةومحاولات بعض القوى الإقليمية التسيّد على بعضنا، كل ذلك جعل الغرب يغذّي فينا روح الانقساموالطائفية والعنصرية.
للغرب مصالح يريد تأمينها على حساب شعوب المنطقة وما وصل إليه الغرب من تقدّم ورفاه ليس فقطبفضل عبقريته، بل بفعل نهبه لثرواتنا لإعمار بلاده، وهو اليوم يريد استمرار مثل هذه مثل هذا الدور علىحسابنا، ولكن ذلك لا يعني أن الغرب كلّه عنصرية وشوفينية واستعلاءومحاولات للتسيد والهيمنة
يوجد في الغرب أيضا مثقفون حقيقيون واجهوا حكوماتهم واتهموها بالتواطؤ مع المعتدي وطالبوهابمقاطعته واتخاذ عقوبات ضدّه، لكن للأسف ثمة مثقفين آخرين كنا نعوّل عليهم خذلونا مثل هابرمازالمثقف الماركسي البارز الذي يظل يمطرنا بسيل من النظريات حول العدالة والحقوق الإنسانية، وإذا بهبلحظة تاريخية مفصلية يفصح عن عنصرية سافرة حيث ظهرت مركزيّته الغربية حين وقف إلى جانبالجناة والمرتكبين ضدّالضحايا والمظلومين.
لعل هذا الموقف يذكّرنا بموقف جان بول سارتر بعد عدوان 5 حزيران/ يونيو 1967، حين وقف إلى جانبإسرائيل المعتدية ضدّ العرب، وهذه المواقف تفضح ازدواجية المعايير وانتقائيتها،
نحن نحتاج إلى سلام عربي – عربي وتفاهمات واتفاقات وإن بحدها الأدنى لكي نتّخذ موقفًا موحدًا علىالصعيد العالمي، ولدينا الكثير من الأسلحة التي يمكننا استعمالها، ولكن ذلك يتطلّب منا إرادة صلبةوبرنامج واقعي وتحالفات دولية وإقليمية واستعداد لاستخدام ما لدينا من مصادر قوة .
*لماذا لم تنجح جامعة الدول العربية طوال عمرها من تحقيق مصالحات وسلام بين البلدان العربية؟
**جامعة الدول العربية هي منتدى للبلدان العربية، وهي تعكس حالة هذه البلدان وعلاقتها مع بعضها،وهي بمثابة سكرتارية لتنظيم علاقات البلدان مع بعضها بما فيها من مشكلات وتحديات وعقباتومنافسات، ولو أُصلح الوضع في كل بلد عربي ورمّمت العلاقات بين البلدان العربية، لتم إصلاح جامعةالدول العربية وأجهزتها المختلفة.
ومن باب الموضوعية يمكنني القول: ربما هناك صوت خافت للنجاح المتواضع جدًا في مجالاتاجتماعية واقتصادية وثقافية وصحية وفنية وإعلامية وغيرها، قامت بها الجامعة لكنها سياسيًا لمتستطع أن تحقق النجاح المنشود .
أستطيع القول أن الجامعة قامت بدور إعلامي على الصعيد الخارجي يمكن ذكره، وهي بحاجة إلى طائفةمن الإجراءات تبدأ أولها بإصلاح العلاقات البينية بين البلدان العربية وحل مشكلاتها سلميًا وبالحوار.
*كيف يمكن التحدث عن السلام وفلسطين مسلوبة وغزة مصلوبة والعرب لا دور لهم؟
لأجل ذلك نحتاج إلى السلام العربي – العربي لتوحيد مواقف البلدان العربية والتقدم بخطة موحدةللعالم بشأن فلسطين، وكان العرب قد اتفقوا في مؤتمر قمة بيروت 2002 على حل، وإن كان بالحدالأدنى، مفاده “الأرض مقابل السلام“، أي العودة إلى حدود 4 حزيران/ يونيو العام 1967، وإقامة دولةفلسطينية عاصمتها القدس الشرقيةوإعادة اللاجئين.
لكن مثل هذا المشروع لم تتم متابعته والضغط لتحقيقه والحوار مع القوى المتنفّذة في العلاقاتالدولية لإقناع أو إجبار إسرائيل على قبوله .
*أريد أن أسألك وأنت تعرف الغرب جيدًا، لماذا الشعوب الغربية تواجه حكومتها من أجل غزة وفلسطين في حين أن شعوبنا تكتفي بالمواجهة على صفحات التواصل الاجتماعي؟
**أظن أن السبب معروف ففي الغرب توجد حريّات وإن جرى التضييق على بعض فعاليات التضامن معغزة وضد عدوان إسرائيل، فضلًا عن التراجعات التي شهدتها الحقوق المدنية والسياسية إثر صعودالتيارات الشعبوية والعنصرية الكارهة للأجانب بشكل عام وللعرب والمسلمين بشكل خاص.
أما الشعوب العربية فإنها تعاني من شحّ في الحريات،بل من أنظمة قامعة أحيانًا، حتى أن بعضالحكومات آثرت “السلامة“، فاعتبرت أن حركة الاحتجاج ضدّ إسرائيل ستعرّضها إلى ما لا يحمد عقباه،وهي لا تريد الاشتباك مع إسرائيل بأي شكل كان.
و ثمة استثناءات لبعض المواقف، ومثل هذا الاستثناء يشمل الغرب أيضًا، فالعديد من المواقف الرسميةالغربية أدانت العدوان وقرّرت الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وأختتم بالقول إن الحكومات العربيةتحتاجإلى الثقة بشعوبها وقدراتها وبالتالي السماح لها القيام بأعمال احتجاج مشروعة في إطار القانون،
ولكي نكون واقعيين، فأنا لا أقصد أن على الدول العربية أن تدخل حربًا مع إسرائيل تضامنًا مع غزة، فهذهأكبر من قدراتها واستعداداتها، ولكن بإمكانها وقف التطبيع وسحب السفراء وتعليق الاتفاقيات بما فيهاالاقتصادية مع إسرائيل.
*دكتور شعبان أعرفك منذ سنوات كنت متفائلًا إزاءمستقبل الأمة العربية، لكنني اليوم أراك حزينًا وألحظ أن هذا الحزن يفوق التفاؤل السابق الذي لديك، ما تعليقك؟
**لم أكن متفائلًا من أكثر من خمسة عقود من الزمن، بل أن تشاؤمي أخذ يزداد وترتفع حساسيتي إزاء مايحصل لدينا وما حولنا، ولا أخفيك سرًا فأنا الآن أكثر تشاؤمًا من السابق، لكنني لست يائسًا، نعم أنا حزينجدًا، والحزن سمة إنسانية فماذا تريدين مني بعد هذا الدمار والقتل والتجويع وقطع الماء والدواءوالكهرباء والترحيل والقهر في غزة وعموم فلسطين وما يجري في العالم العربي، هل عليّ أن أفرح؟ نعم أنا حزين، وحزني لا يعادله ثقل جبل.
*هل مازلت بعد هذه الخاتمة بذات الرؤية التي افتتحت فيها هذه المقابلة، وكيف تنظر لثمرات نضالك طيلة ما يزيد عن ستة عقود من الزمن، هل ذهبت هباءً منثورا في ظل تغوّل إسرائيل وفساد الأنظمة وانتشار التعصّبوتفشّي الطائفية وأين نحن من شعارات الأمس؟
** بعد دراسة وتمحيص وقراءة ارتجاعية لتجربة جيلنا يمكنني أن أقول: لقد فشلنا وعلينا الاعتراف بذلك، كما علينا أن نتحلّى بالشجاعة وعدم المكابرة بادعاءالأفضليات والزعم بامتلاك الحقيقة، وغير ذلك منالترّهات التي تزعم “صحة سياساتنا” و“صواب نهجنا“كما تبرّر وتكرّر الحركات السياسية مثل تلكالمقولات.
فالنخب الفكرية والثقافية والسياسية القومية والشيوعية والإسلامية تعاني من نكوص وتراجعوانحدار،وهي اليوم أمام امتحانات كبرى.
فلم يعد صالحًا ما كان في الخمسينيات والستينيات صالحًا اليوم في ظلّ الطور الرابع من الثورةالصناعية واقتصاد المعرفة والذكاء الاصطناعي.
وعلى افتراض حسن النية ودون الإفتئات على أحد،فهذه النخب لم تتمكن من الوفاء بوعودها السخيةوالكثيرة التي قدمتها على مدى سنين، بل أن بعض هذه الوعودأصبح مغمّسًا بالدم وتفوح منه رائحةالفساد التي تزكّم الأنوف.
وأقول مثل ما قال الإمام علي “لعلّ رأيًا واحدًا شجاعًا أغلبية” فليكن كل واحد منا أغلبية حينهاسيقهرالطغاة والغزاة والغلاة، والأولون جاءوا بمن بعدهم وهكذا.
