الناصرية : ناجي سلطان
في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع، وخصوصًا في مجالات ” تكنولوجيا النانو” ، تظهر الحاجة الملحةإلى تأطير أخلاقي وقانوني صارم يضبط علاقتنا بالتقنية في هذا السياق، يبرز كل من**هانز يوناس**،الفيلسوف الألماني صاحب نظرية “أخلاقيات المسؤولية“،
وعبد الحسين لوگي الباحث القانوني المختص في التشريعات المرتبطة بالتطورات العلمية، بوصفهما صوتين متكاملين في الدعوة إلى دمجالبُعد الأخلاقي في صياغة القانون العلمي والتقني، وسوف نستعرض المقالة في ثلاث فقرات“
:
أولًا: هانز يوناس وأخلاقيات المستقبل
هانز يوناس (Hans Jonas)، في كتابه “مبدأالمسؤولية” (The Imperative of Responsibility)، يرىأن التكنولوجيا الحديثة لم تعد مجرد أداة،بل قوة مهيمنة قادرة على إعادة تشكيل الطبيعة والإنسان . لذلك، يدعو إلى ما يسميه “أخلاقيات المستقبل“، أي مسؤولية أخلاقية تأخذ بالحسبان**آثار أفعالنااليوم على الأجيال القادمة وتتلخص رؤيته في المجالات الآتية
– التقنية ليست محايدة: بمعنى ان استخدامها قد يكون خطرًا إن لم يُضبط أخلاقيًا.
– على القانون أن يدمج الاعتبارات البيئية والإنسانية طويلة المدى.
– مسؤولية الإنسان يجب أن تمتد لتشمل الطبيعة والإنسانية ككل.
ثانيًا: عبد الحسين لوكي وتحديات النانو القانونية
– ركّز في اطروحة الدكتوراه التي ناقشها هذا الإسبوع في كلية القانون بجامعة ذي قار تحت عنوان ( التنظيم القانوني لتكنولوجيا النانو ، دراسة مقارنة) ونال على اثرها تقييم جيد جداً عالي ، ركّز على اهميةالتنظيم القانوني لتكنولوجيا النانو
– حذّر من الفراغ التشريعي الذي يرافق تطورها
– يرى أن القانون يجب أن لا يكون انعكاسًا مجردا للواقع، بل أداة لتوجيه العلم نحو أهداف إنسانية ،
– يدعو إلى تشريعات احترازية، تواكب المخاطر المحتملة لتقنيات النانو ،
– يركز على ضرورة دمج مبادئ الكرامة البشرية والخصوصية والسلامة الصحية في أي تنظيم قانونيجديد.
– يطالب القانون بأن يسبق الكارثة لا أن يتبعها وذلك بروح المسؤولية الوقائية.
ثالثًا : تقاطعات أخلاقية بين الشخصيتين ؛
رغم اختلاف خلفية كل من يوناس ولوكي (فلسفية مقابل قانونية)، إلا أن فكرهما يلتقي عند مفاصلجوهرية ،
فالمسؤولية الأخلاقية عند يوناس تمتد للمستقبل وللبيئة، وعند عبد الحسين لوكي تمتد لمستقبلالقانون المدني في احكامه التقنية، ويشترك المفكران في نطاق المسؤولية عبر الزمن.
وفي موقفهما من التكنولوجيا فان يوناس يدعو لضبطها أخلاقيا اما عبدالحسين فيدعو الى ضبطهاقانونيا، وكلاهما يرفضان الحياد التقني، والغاية عند يوناس هي حماية الانسان والبيئة، وعند عبدالحسينلوكي هي حماية الفرد والمجتمع، وكلاهما يلتقيان في حفظ الكرامة البشرية، اما المنهج عند يوناس فهوفلسفي اخلاقي وعند عبد الحسين لوكي فهو منهج قانوني وقائي، ويأخذ كل منهما بالاخلاق كقاعدةعامة.
وللحركة الفكرية، نحو قانون أخلاقي للتكنولوجيا، في منهج مستقل عن رؤية الحداثة، وعن ما بعدالحداثة، وفي عالم تُصاغ فيه الحدود بين الإنسان والآلة ، بين الطبيعة والتقنية، تظهر الحاجة إلى فلسفةقانونية جديدة، تأخذ من يوناس جانب المسؤولية الطبيعي ومن لوكي وعي التشريع الإستباقي للتأسيس لأخلاق قانونية مشتركة بين الفكرين ، يمثّل خطوة نحو قانون أكثر عدلاً، وأكثر تحصيناًلمستقبل الإنسان.، في مواجهة ماتفرضه مرحلة ما بعد الحداثة من اغتصاب عقلي.
وعليه، عندما نقول “تأخذ من يوناس حس المسؤولية“، فنحن نشير إلى أن أي مقاربة قانونية أو أخلاقيةحديثة،كما يقترح عبدالحسين لوكي في تعامله مع تكنولوجيا النانو يجب أن تتبنى هذا الفهم الواسعوالعميق للمسؤولية، لا بوصفها فقط التزامًا قانونيًا، بل واجبًا أخلاقيًا تجاه الإنسانية في امتدادها الزمنيوالبيئي. وخصوصا في دعوته الاستباقية على مستوى العالم باستحداث مسؤولية قانونية أخلاقية تقومعن التصرف الشاذ في الذات البشرية.
