فاروق الرماحي
لم يكن يؤلمهما أنهما تقدّما في العمر .
كان الشيب الذي تسلل إلى رؤوسهما والتجاعيد التي خطّت وجهيهما مجرد دلائل مرّت بخفة، كأنها تذكير لطيف بأن الوقت لا ينتظر أحدًا .
لكن ما كان يوجعهما حقًا هو ما لم يتقدم معهما، ما بقي عالقًا هناك في زوايا أحلامهما القديمة .
أمنياتٌ شابت بداخلنا ،
هكذا كانت تقول أمل كلما وقفت أمام مرآتها .
لم يكن انعكاس وجهها هو ما يثير حزنها، بل انعكاس كل ما لم يكن . أرادت يومًا أن ترسم، أن تملأ اللوحات بحكاياتها، لكن الأيام سرقتها .
صار الحلم لوحة بيضاء لا لون فيها .
أما صبري، فكان يسير في الشوارع بنفس الخطى الثقيلة التي اعتادها . كان يحلم أن يكتب، أن تصافح كلماته قلوب الناس، لكن الحياة وضعت بينه وبين قلمه ألف عذر . صار يكتب فقط في ذهنه، حيث لا أحد يقرأ، ولا أحد يصفّق .
كانا يواسيان نفسيهما بعبارة أليفة : غدًا سيكون أجمل
لكن الأيام كانت تتبدل دون أن تجلب معها ذلك الجمال الموعود . وحين كان الغد يأتي، يدركان أن الأمس، بكل ثقله، كان أرحم .
ومع ذلك، حين يختبئ الليل خلف نافذة أمل، كانت هناك نجمة وحيدة تلمع، وكأنها ترفض السقوط .
ربما كانت تشبه شيئًا في قلبها لم يمت بعد .
صبري أيضًا، كلما مرّ أمام مكتبة قديمة، كان شيءٌ في داخله يهتف : ما زال هناك وقت !
إنهما لا يطلبان من الأيام المقبلة معجزة .
كل ما يرجوانه هو أن تمر الأيام بسلام، دون أن تثقل قلبيهما أكثر . لكن في أعماقهما، وبين شقوق التعب، يبقى هناك أمل صغير، كزهرة تنمو في صمت .
لا يهم إن كانت الأيام قد سرقت أحلامهما، فربما يكفي أن يحلما من جديد، ولو مرة أخيرة .