كيف تغيرت لغتنا !

فلاح الكلابي

في خضم الحياة اليومية، تمر على الإنسان مواقف قد لا يدرك من خلالها مدى تأثير اللغة التي يستخدمها على فكره وواقعه. لطالما كنت شخصًا يعاني مع قواعد اللغة العربية، إذ كانت دائمًا تبدو لي معقدة وصعبة، وكنت في كثير من الأحيان أبحث عن طريق أسهل لفهم وتطبيق تلك القواعد. إلا أنني في إحدى الأيام، وأثناء قيادتي السيارة بحثًا عن مكان لصفها، سألت سيدة مسنّة عن “المرآب”، وهو مكان لركن السيارات. فأجابتني السيدة باندهاش: “لا أعرف ما هو المرآب”. كنت على وشك أن أشرح لها، ولكنني توقفت فجأة وقلت لها: “كراج”. فانتبهت السيدة وقالت على الفور: “آه! كراج”. لحظتها شعرت بأنني أمام مفارقة لافتة، فكيف أن كلمة “كراج” الإنجليزية قد أصبحت جزءًا من مفرداتنا اليومية، في حين أن كلمة “مرآب” العربية الأصيلة كانت غائبة عن الذاكرة المشتركة لدى كثيرين، رغم أن معناها واضح.

هذه اللحظة البسيطة جعلتني أتوقف للتفكير في العلاقة بين لغتنا العربية وتاريخها. اللغة العربية في عصرها الجاهلي كانت لغة غنية ومزدهرة، حيث كانت أداة تعبير راقية، معبرة عن فكر وثقافة وبيئة تختلف عن أي شيء آخر. كانت الكلمات واضحة، وكانت الجمل تتسم بالرصانة والجزالة. لكن، مع مرور العصور وتوالي الاحتلالات والتأثيرات الثقافية المختلفة على المنطقة، دخلت اللغة العربية في فترة من التحولات التي أثرت على بنيتها واستخداماتها. فتأثرت بشكل واضح بالمحتلين، سواء كانوا من الفرس أو الرومان أو الأتراك، وصولاً إلى الغزو الغربي في العصر الحديث، وما رافقه من إدخال للمفردات الأجنبية إلى القاموس العربي.

لغة العصر الحديث، بمفرداتها المقتبسة من اللغات الأجنبية، أصبحت انعكاسًا مباشرًا للواقع الجديد الذي فرضته العولمة والاتصال العالمي. كلمات مثل “كراج”، “كمبيوتر”، “إنترنت”، و”تيليفون”، أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، وأصبح من الصعب استبدالها بمفردات عربية أصيلة. وهذه الظاهرة ليست مقتصرة على العالم العربي فقط، بل هي سمة من سمات اللغات في العالم كله، حيث تتسارع اللغات في امتصاص مفردات جديدة من ثقافات أخرى، وخاصة من اللغة الإنجليزية.

اللغة العربية، رغم هذه التأثيرات، ما زالت تحتفظ بقدرتها على استيعاب هذه الدخلات دون أن تفقد هويتها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل نعتبر أن هذه الخلطات اللغوية قد أثرت على “أصالة” لغتنا؟ أم أن اللغة العربية قد تطورت لتواكب العصر كما فعلت لغات أخرى في العالم؟ من ناحية، يمكن القول إن اللغة ليست ثابتة، بل هي كائن حي يتطور بتطور الزمن واحتياجات الناس. ومن ناحية أخرى، فإن الحفاظ على بعض المفردات والتعابير الأصيلة مهم لضمان استمرارية الهوية الثقافية، خصوصًا في ظل الهجمة الثقافية المتسارعة التي تتعرض لها لغتنا.

لا يمكن إنكار أن اللغة العربية تواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على نقائها، خاصة في مواجهة هجوم المفردات الأجنبية التي تقتحم حياتنا كل يوم. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن اللغة هي أداة للتواصل، وإذا كانت كلمات جديدة يمكن أن تساعد في تسهيل هذا التواصل، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن اللغة قد فقدت أصالتها. فالأصالة لا تأتي من الجمود، بل من قدرة اللغة على التكيف مع المتغيرات، بينما تظل وفية لجذورها.

لذلك، يجب أن نحتفل بتاريخنا اللغوي الغني، وفي نفس الوقت نكون مرنين في تقبل المفردات الجديدة التي قد تساهم في إثراء لغتنا دون أن تفرغها من جوهرها.


مشاركة المقال :


3 thoughts on “كيف تغيرت لغتنا !

  1. I like what you guys are up too. Such intelligent work and reporting! Carry on the excellent works guys I¦ve incorporated you guys to my blogroll. I think it’ll improve the value of my site 🙂

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *