المهندس الإستشاري
زكي الساعدي
يشهد العراق، رغم كونه رابع أكبر دولة منتجة للنفط على مستوى العالم، أزمة اقتصادية عميقة تؤثر على شبابه. في بلد يصدر أكثر من 3.8 مليون برميل من النفط يومياً، من المفترض أن يكون الاقتصاد العراقي جاذباً للعمالة. إلا أن الواقع يختلف تماماً، حيث تشير الأرقام إلى وجود أكثر من 6,000 مشروع متوقف في العراق لأسباب عديدة مثل نقص التمويل، الفساد الإداري، التحديات الأمنية، والبيروقراطية، ما أدى إلى توقف عجلة التنمية.
إحدى أكبر المشكلات هي البطالة المقنعة في القطاع العام، الذي يشغل نحو 5-6 ملايين موظف. مع ضعف إنتاجية العاملين، والتي لا تتجاوز في كثير من الأحيان 20% من القدرات الفعلية، فإن هذه المشكلة تفاقم من الوضع الاقتصادي وتزيد من الضغط على موازنة الدولة. في الوقت نفسه، يعاني العراق من كثرة الفئات التي تعتمد على الدعم الحكومي مثل المتقاعدين (3.5 مليون)، المشمولين في مؤسسة الشهداء (500 ألف)، السجناء السياسيين (100 ألف)، والمستفيدين من الرعاية الاجتماعية (2.5 مليون). في النهاية، تلتزم الحكومة بدفع رواتب لما يزيد عن 13 مليون مواطن، مما يشكل عبئاً ضخماً على الموازنة العامة، حيث تشكل الرواتب 40% إلى 50% من إجمالي الموازنة.
هذه الوضعية تضع الحكومة أمام تحدٍ حقيقي، خاصة مع تقلبات أسعار النفط العالمية. إذا انخفضت أسعار النفط عن 70 دولاراً للبرميل، فإن ميزانية الدولة ستواجه عجزاً كبيراً، ما قد يؤدي إلى موجات احتجاجية تطالب برواتب لم تتمكن الحكومة من الوفاء بها. وقد تضطر الحكومة إلى خفض قيمة الدينار مقابل الدولار لمواكبة الانخفاض في الإيرادات النفطية، ما سينعكس سلباً على الاقتصاد المحلي ويؤثر على قدرة المواطنين على التكيف مع هذه التغيرات.
لكي تتمكن الحكومة من تجنب الانهيار الاقتصادي المحتمل نتيجة تقلبات أسعار النفط، يجب عليها تبني حلول مستدامة، مع التركيز على ثلاثة محاور أساسية:
1. تعزيز الإيرادات غير النفطية: يجب على العراق أن يعمل على تنمية القطاعات غير النفطية مثل الصناعة، الزراعة، السياحة، النقل، والطاقة. هذه الاستثمارات ستخلق فرص عمل جديدة وتنمي الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد الكلي على النفط.
2. خصخصة القطاعات الخاسرة وإعادة الهيكلة: يجب إعادة هيكلة المؤسسات والشركات الحكومية التي تثقل الموازنة دون أن تقدم مردوداً يتناسب مع تكاليفها. خصخصة هذه المؤسسات سيمكن من تخفيف الضغط على الدولة وتحسين الكفاءة الاقتصادية.
3. استثمار الأيدي العاملة العراقية: تحسين الإيرادات غير النفطية سيساهم في خلق فرص عمل في القطاعين المختلط والخاص. هذه القطاعات يمكنها أن تستوعب العاطلين عن العمل، البالغ عددهم 5 ملايين شخص، وفي الوقت ذاته توفر بيئة تنافسية تتسم بالكفاءة وتحفز على الإنتاجية.
بناءً على هذه المحاور، يمكن خلق “صندوق الشباب الاستثماري” الذي يعمل على تمويل مشاريع تنمية مستدامة، ويعزز من استثمارات القطاع الخاص والمختلط، ما يساهم في توفير فرص العمل للجيل القادم من الشباب. هذا الصندوق سيساعد في تحسين الوضع الاقتصادي ويخفف من العبء الذي يفرضه القطاع العام على الموازنة العراقية.
إن تبني هذه الاستراتيجيات سيُسهم في تحقيق التوازن المالي والنمو الاقتصادي، مما سيجعل العراق أكثر قدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية.