كتب المحرر السياسي للمستقل
في تقرير مثير نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط حول قرار المحكمةالاتحادية بشأن إلغاء عضوية السيد الحلبوسي .
التقرير كتبته زائرة في المعهد وهي الفرنسية سيلين اويسال، مسؤولة عن مكتب العراق في الخارجيةالفرنسية .
بدأ التقرير بجملة خطيرة ، حينما وصفت المحكمة الاتحادية العليا بـ ” مؤسسة مثيرة للجدل“ وشككت فيمصداقيتها ، وعدالتها، والقرارات التي تصدر عنها .
وقالت اويسال في التقرير : ” لطالما كانت شرعية “المحكمة الاتحادية العليا” مثيرة للجدل، حتى أندستوريتها تبقى موضع نقاشات قانونية مستمرة. وذكرت ان “المادة 92″ من دستور عام 2005 امرت“مجلس النواب” بإقرار قانون يحدد وضع المحكمة، إلا أن ذلك لم يحدث قط. ونتيجة لذلك، لا تزال “المحكمةالاتحادية العليا” تعمل بموجب “القانون رقم 30″ لعام 2005.
وهو قانون “بريمر ” كما يطلق عليه في العراق
فقد وضعت الكاتبة شرعية المحكمة في موضع الشك والاتهام والنقصان ،حينما قالت ان مجلس النواب تجاهل المادة 92 من الدستور العراقي الذي يحدد وضع المحكمة ، وهذا يعني ان قراراتها، ليست دستوريةبالكامل, فهي تعمل بقانون غير مشرَّع من قبل مجلس النواب. وهذه نقطة في غاية الاهمية ، اذ تجعلالقرارات الصادرة عنها قرارات خاضعة لمزاجية السلطة المتحكمة وليس للمجلس النيابي، الممثل الرسميلسلطة الشعب العراقي ، وما دام مجلس النواب لم يحدد وضع المحكمة ضمن المادة المذكورة. اعلاه ،ستبقىالمحكمة تحتاج الى شرعية مجلس النواب .
ثم اعتبر التقرير المحكمة رمزاً للطائفية ، حينما قال : ” تعرضت المحكمة لانتقادات منتظمة باعتبارها رمزاًللطائفية.
وهذا الاتهام بحد ذاته يهدم نزاهة المحكمة ، ويؤسس الى هوة بين الكتل السياسية والمكونات ، ورغم انالمحكمة ليست من طيف مكوناتي واحد، إلا ان الباحثة ركزت على شخص رئيس السلطة القضائية السيد ” فائق زيدان “ باعتباره من مكون الاكثرية ، فرجحت ان تكون القرارات منحازة بفعل الحس الطائفي للمحكمة.
وساقت مثالاً على طائفية المحكمة وتدخلها في العملية السياسية حينما فاز السيد اياد علاوي في انتخابات2010 باغلبية الاصوات البرلمانية إلا ان المحكمة مالت لكفة السيد نوري المالكي لتعيينه رئيساً للوزراء لدورةثانية .
واردفت سيلين اويسال بالقول ” ويعتقد العديد من المراقبين أنه تم التأثير على هذا القرار من قبل الأحزابالشيعية التي عارضت علاوي بسبب خروجه عن صفوفها”
وهذا اتهام صريح بعدم نزاهة المحكمة وقراراتها .
اتهام المحكمة بالطائفية والمنحازة يجعلها في بؤرة الصراع وربنا يفتح الباب على مشكلة سياسية كبيرةفي المستقبل، فيما اذا قامت المحكمة بالفصل بين المنازعات الدستورية بين الشيعة والمكونات الاخرى ، وهذاالاتهام هو بمثابة تحريض على المحكمة الاتحادية ، ومبرر لاسقاطها، خصوصاً وان التقرير جاء من جهةبحثية مهمة ومن كاتبة خبيرة بالوضع العراقي ، وهي التي عاشت هناك واطلعت عليه عن كثب .
وتعود الكاتبة مرة اخرى الى التشكيك في آلية تعيين القضاة وتلقي باللائمة على الجهات الفاعلة وعلىمجلس النواب ، وتقول ان النواب قد حوّلوا عملية تعيين القضاة إلى معركة محتدمة لتحقيق التوازنالطائفي.
وبهذا تشير الى ان القضاة الذين تم تعيينهم في المحكمة الاتحادية ليسوا سوى موظفين لدى الجهاتالسياسية ، وربما ينفذون اوامر زعماء الكتل .
فائق زيدان و ايران
وجهت الكاتبة للقاضي فائق زيدان رئيس السلطة القضائية اتهامين : الاول انه ارغم مدحت المحمود علىالاستقالة من خلال تعديل في المادة 30 فيما يخص سن القضاة ، والاتهام الثاني انه موالٍ لايران .
واوردت دليلاً على ولاء السيد زيدان لايران ، وهو عزل المحمود الذي تقرب للتيار الصدري المنافس للفصائلالموالية لايران، مما اثار غضب الفصائل وتم عزله .
وهنا يجب ان نقف عند هذه النقطة المهمة في البحث .
وهي ارتهان السلطة القضائية لدولة اجنبية.
المعروف ان القضاء هو آخر المعاقل التي تلجأ اليها الدولة للحفاظ على ديمومتها واستمرارية النظامالسياسي ، فهو ملح الأرض ان فسد، فسد كل شيء.
يقول التقرير ان القاضي زيدان استغل سلطته لتنفيذ تغييرات قضائية رئيسية وتسهيل القوانين التي منشأنها تعزيز سلطته ونفوذه. على سبيل المثال، أنشأ “مجلس القضاء الأعلى” لجنة لـ “إدارة المهن” وتممنحها صلاحيات واسعة لترقية وتمديد ولاية ونقل وإحالة القضاة والمدّعين العامين إلى التقاعد، مما أعطىزيدان بشكل أساسي صلاحية تعيين وإقالة جميع قضاة البلاد.
كما استخدم نفوذه للتأثير على عملية اختيار أعضاء “المحكمة الاتحادية العليا“، بما في ذلك تعيين رئيس“المحكمة الاتحادية العليا” الجديد جاسم محمد عبود، الذي يشتهر بولائه لزيدان.
ومعنى إشتهر بولائه لزيدان ، انه مجرد بيدق يحركه رئيس مجلس القضاء كما يريد، وهذا الاخر يرجعنا الىالقرار الذي اصدره القاضي جاسم محمد عبود لالغاء عضوية السيد الحلبوسي، وكأن التقرير يشير الى اناقالة السيد الحلبوسي. كانت طبقاً لرغبات جهات اجنبية ، وان القرار غير دستوري ويحمل جنبة سياسيةولربما طائفية ، ولكن من نفذها من نفس طائفة السيد الحلبوسي.
وتسرد سيلين حكاية الولاء لايران وترجع السرد نحو احداث الانتخابات المبكرة عام 2021 بعد
الاحتجاجات التشرينية ، تضمنت استعدادات الحكومة لهذا التصويت إصلاح “المفوضية العليا المستقلةللانتخابات“. وسرعان ما استغل زيدان هذه العملية وحرص على أن يتكون مجلس “المفوضية” من قضاةلكي يتمكن هو ودائرته من التأثير على القرارات المهمة السابقة للانتخابات.
أصدرت “المحكمة الاتحادية العليا” سلسلة من القرارات لصالح “الإطار التنسيقي“، وهو الكتلة الشيعيةالموالية لإيران والمعارضة للصدر.
ولابد من التأني وفحص ما تقوله الكاتبة من ان الاطار التنسيقي كتلة غير وطنية عملية لايران ، وهو اتهامصريح ومباشر ، للكتلة الحاكمة اليوم ، الاتهام بمثابة دق اسفين بين المكونات العراقية وتأليب الرأي العامعلى الاطار ، ونزع صفة الولاء للوطن عنه .
ولعل القرار الأكثر أهمية يتعلق باختيار “مجلس النواب” لرئيس جديد، بالحصول على أغلبية الثلثين منالأصوات، ثم حرّفته إلى شرط نصاب الثلثين. وهذا القرار مكّن الكتلة الموالية لإيران من العمل كأقلية معرقِلة ” ثلث معطل ” .
وفي كانون الثاني/يناير 2023، قضت “المحكمة الاتحادية العليا” بعدم دستورية التحويلات من الموازنةالاتحادية إلى “حكومة إقليم كردستان“، وفي أيار/مايو، نقضت محاولة تمديد ولاية مجلس نواب “حكومةإقليم كردستان“.
كما أدت قضايا مسيّسة أخرى إلى صدور أحكام مثيرة للجدل (ومؤيدة لإيران على وجه الخصوص). ففي 4 أيلول/سبتمبر، ألغت “المحكمة الاتحادية العليا” قانون التصديق على الاتفاقية العراقية الكويتية لعام 2012 لتنظيم الملاحة البحرية في ممر “خور عبد الله” المائي. وقد رفع القضية نائب من “كتلة حقوق“، وهي جهازسياسي تابع لميليشيا “كتائب حزب الله“ المدعومة من إيران
وواصل الحكم الصادر ضد الحلبوسي في 14 تشرين الثاني/نوفمبر الاتجاه الذي اتخذته إجراءات “المحكمةالاتحادية العليا” المسيسة إلى حد كبير. وعلى مر السنين، تمكن من أن يصبح الزعيم السياسي السنّيالعراقي بلا منازع ويحتفظ بدوره القيادي في “مجلس النواب” على الرغم من التغييرات العديدة فيالحكومة والمحاولات المتكررة للإطاحة به. وفي النهاية، نحّته محكمة عليا نشطة – وعلى وجه التحديد، بعدأن اشتكى عليه أحد أعضاء تحالفه السياسي، “تقدم“، لدى المحكمة بتهمة تزوير كتاب استقالة لصالحالمدعي.
فخلافاً لهذا ، تظل المؤسسة القضائية شريكاً محتملاً للمجتمع الدولي. على سبيل المثال، كان التعاون معالقضاء العراقي مثمراً في القضايا المتعلقة بتنظيم “الدولة الإسلامية“، حيث نشر زيدان تحليلاً قانونياً فيوقت سابق من هذا العام من شأنه أن يسهل التوثيق المدني للأطفال المولودين في ظل ما يسمى بـ “خلافة” التنظيم الجهادي.
وفي الوقت نفسه، سيكون من الحكمة أن يواصل الشركاء الذين يريدون تخفيف قبضة إيران على العراقالضغط والمراقبة الوثيقة على القضايا السياسية التي تجاوزت المحكمة حدودها فيها.
خطورة التقرير تكمن في تمهيده لخلق فجوة بين القضاء والمنظومة السياسية ، فقد صب التقرير جامغضبه على القاضي فائق زيدان والمؤسسة القضائية والاطار التنسيقي واعتبرهم عملاء لايران ، وان زيدانوالسلطة القضائية. برمتها تنفذ اجندة المصالح الايرانية ، وربما سيستند عليه بعض السياسيين للمطالبةبحل المحكمة الاتحادية وتشكيل اخرى بتوجهات اخرى، مما سيخلق ازمة جديدة في البلاد .
التقرير لم يكن موفقاً بل يحمل توجها يعبر عن سياسة الجهة التي تتبناه.
