الغنوص المؤدي للأباطيل… في التوراة / د. مزهر الخفاجي

 

أ. د. مزهر الخفاجي

المقدمة

  لا مناص من القول من أن كتب العقائد والشرائع الدينية ظلت محترمة طوال تاريخ تطوير المجتمعات المدنيةكونها شكلَّت جوهر وعيها وإيمانها ونظمت علاقاتها مع الخالق على ضوء ذلك. وفي ذات الوقت ظلّت هذهالكتب وتحديداً كلاً من التوراة والتلمود مجالاً حيوياً للدراسات العقائدية والتاريخية.. وعظ تمحيص ونقد.. كونها شكلّت الأساطير المؤسسة للعقيدة الصهيونية ومجالاً لممثلها الديني والعقائدي.

        وقد تأسست عليها بعد ذلك طروحاتها السياسية الترمودية. في هذا البحث محاولة لتبيان حجمالغنوص ومقدار الدس والأسطرة التاريخية التي لا تخلو من عقائد ذات غائبية سياسية وموسعيه وتغييبيهكبيرة. كما ناقشنا في كتابنا ( الغنوص في الفكر الديني).

 

الغنوص في التلمود اليهودي:

                     التلمود وهو الذي يجمع الحكم والقصص والأحكام التي جمعها، أو اختلقها، الحاخامات بعدإتمام التلمود، فدونوها في هذا السفر مخافة أن تضيع. هذا، على الرغم مِن أن التلمود نفسه استغرق تدوينهما لا يقل عن ألف عام من الزمن حسبما كتب ذلك الحاخام د. أ. فابيان في مبحثه ( تلمود بابل) في صفحة 5.

الغنوص في كتب المشناه:

                         المشناه هو الكتاب الذي جمعه الحاخامأكيبا ” Akiba ، وقسّمَ فصوله. ثم جاء تلميذهمثير” Meir فأكملها ويسرّها. وقد نهج الحاخامات الكبار على جمع وتأليفالمشناه، كل بطريقتهالخاصة، حتى قرر يهوذا هاناسي أن يقضي على التشويش الناتج عنتعدد” ” المشناه فدوَّنَ نسخةمعتمدة.

              وقد استفاد يهوذا من جميع النسخ الموجودة، خصوصاً نسخةمثير“. أما العلماء الذين اشتركوافي تأليف المشناه منذ وفاة هليل Hillel سنة 10م حتى إتمامه سنة ( 200م) فيسمون تنائيم Tannaim، وتنائيم هو جمع تنا Tanna، ومعنا بالآراميةالمعلّم، ويطلق هذا الاسم على العلماء اليهود الذين خلَّفواهليل وشماي، أي منذ السنة العاشرة بعد المسيح تقريباً إلى وفاة يهوذا هاناسي، أي إلى السنة المئتينتقريباً.

            وأكثرهم يلقَّب بالحاخام أي المعلم أو الحكيم، وإذا كان العالِم اليهودي بطرير كا للكنيس Patriarch فيسمى Rabbin أي حاخامنا أو معلمنا. أماأمورائيمفإنها مشتقة من الكلمة العبرية أمر Amar التيتعنيتكلّم، وتُستعمل بمعنى الشارح والمتكلم. أما العلماء الذين اشتركوا في وضع شرحهجمارا،فيُعرفون بإسم أمورائيم Amoraim الذين اضافوا شروحهم إلى التلمود في القرنين السادس والسابعالميلادي فيسموّن سابورائيم Saboraim أي العقلاء أو المناظرين Reasoners ) ) .

        والحاخامات الذين فسروا التلمود يسمون جيونيم Geonim، والذين فسروا التلمود من الذين يسمونجيونيم Geonim ، إذا كانوا رؤساء المجامع اليهودية، وإلا أطلق عليهم تسمية بوسيكيم Posekim أيالمقررون والفاصلون .Deciders

                   وهناك خلاف فيما إذا كان يهوذا هاناسي هو الذي جمع المشناه، أم أن العالِمسابور اثيمهوالذي قام بهذه المهمة في القرن السادس الميلادي. ولكن من المؤكد أن يهوذا هاناسي هو الذي جمع المشناه،أما الذين جاؤوا بعده فاقتصرت مهمتهم على التهذيب والاضافة والتحسين والشرح.

          وأحكام وشريعة ( المشناه) إما عامة، والغريب أنها مجهولة المصدر، وهي أحكام اقرّت لكونها مقولاتوآراء الحكماء sages  ، الذين يطلق عليهم اسم حاخاميم (Hachamim) أو المعلمين. وان آراء الحكماء ( الحاخامات) هي المفضلة إذا وقع تعارض حول مسألةٍ ما.

            ولغة المشناه هي اللغةالعبرية الحديثة Neo – Hebrew” التي فيها أثر من اليونانية واللاتينية. وأول ترجمة كاملة لتلمود بابل نشرتها مطبعة سونكينو soncino بلندن. وقد ترجم ( أبراهام كوهين) كتاببراخوت (Berachorth) إلى الانجليزية سنة 1921. وظهرت عدة كتب تتناول ملخص تلمود ( بابل) باللغاتاللاتينية والفرنسية والروسية والإيطالية ولغات أخرى.

وتذكر دائرة المعارف العامة: كل الطبعات الجديدة لتلمود بابل تشمل رسائل صغيرة عديدة أضيفت في آخرالبحث الرابع ( نيزيكين). و( تلمود بابل) يشمل 2,500,000 كلمة تقريباً، منها ثلاثون في المئة عنالهاجاداهأي القصص، والباقيهلا كاه، أي الأحكام الدينية الشرعية.

التلمود من الشفاهي الى المكتوب:

           يَعرف الكثير من المهتمين في الدراسات اليهودية بأن التلمود له أسلوب أدبي، وأندائرة المعارفاليهودية تشمل كل نواحي الحياة الإنسانية، وقد شبّه د. صموئيل کروس في كتابه هذاالسنهدرينبلائحة القاضي. وقال:

– ” إن أهمية هذا الفصل تتوقف على ما له من مكانة في إجراءات المحكمة اليهودية العليا Synhendrion” التي تُعد آخر شعلة لحياة الدولة اليهودية، وقد أثار هذا الفصل اهتمام جانب كبير من الدارسين بسببعلاقته نبؤة بحياة وموت اليهود. ( Ibid.p.VII).

 

 

 

أنواع التلمودات اليهودية:

 

اولاًتلمود أورشليم ( فلسطين) Telmud Yerushaimi:

              ويسمى ايضا تلمود ( أوجمارا) أرض اسرائيل Eretz rfrael أو ان تلمود ( أو جمارا) يسمى بنيمآربا ( المغرب). ثم جُمِعَ سنة 400م بعد الإجرءات الشديدة التي اتخذها Ursicinus سنة 351 في فلسطين،مما أقلق اليهود بضياع القانون الشفهي السري لليهود. حيث فكّر في ذلك الدكتور جوزيف باركلي وأورد عنذلك قائلاً في كتابهالأدب العبري“: انه فى الفترة التي ألّف فيها تلمود أورشليم وبابل لهي من فتراتالسلام النسبي Comparative Peace لليهود. فمنذ وفاة الخاخام ( يهوذا المقدس) بن هاناسي حت يجلس قسطنطين على العرش لم للعرض مدارس طبرية لأي تحرش أو مضايقة Unmotested (. وأضافدكتور جوزيف باركلي أيضاً: إن اليهود، أيضاً كانوا، نظروا إلى طبرية ( الشهيرة بمدارسها اليهودية) كهيونهم Zion وكانوا يفرضون على أنفسهم ضرائبطواعيةليرسلوا الأموال إلى المدارس الحاخاميةفيها.

          ولا بأس ان نذكر من أن علماء قيصرية Caesarcasm هم الذين قاموا بتدوين تلمود ( أورشليم) وليسعلماء ( أورشليم) أنفسهم، ويُذكر هذا الاسم مجازاً، على سبيل إطلاق الكل على الجزء. وكان الحاخاميوحنان Jochannan على رأس القائمين بأمر تدوين هذا التلمود.

                 وتلمود أورشليمكما هو مطبوع الآنلا يحتوي إلا على أربع رسائل أو أربعة ( أحكام) من كتبه ( السِت )، وعلى الفصل ( نيداه Niddahمن الرسالة السادسة. وفي أيام ( موسى بن ميمون) كان تلمودأورشليم مكوناً من خمس رسائل، وحذفت منه واحدة. ولا نعرف اسباب حذف هذه الرسالة، وهو يؤكد عمليةالتمرين منه. وقد طبع ( تلمود أورشليم)، لأول مرة، في ( البندقيةفينيسيا) وظهرت الطبعة الثانية فيكراكوو (Cracow) فيما بين الاعوام 1602- 1605 مع بعض الحواشي والشروح من قبل بعض المحققين،بسبب الاهتمام المتزايد بالتلمود.

             وأعيد طبع نسخة كراكوو في كروتوتشين Krotoschin سنة 1886، ثم ظهرت طبعة زيتوميرZhitomir في 1860- 1867، ثم طبعتا Piortrkew  سنة 1899- 1900، وروم Romm في فيلنا سنة1922. وقد طبعت هذه الأخيرة مع بعض الحواشي سنة 1929، تبعتها طبعة برلين سنة 1929.

ثانياًتلمود أورشليم اليوم:

             وعُرِفَ عن تلمود اورشليم أن الطبعات الجديدة منها تخلو من كثير من العبارات والفصول، وعُزي ذلكإلى عاملين:

1- حذفت هذه الفصول نتيجة إهمال النسّاخ Scribal Omissuions

2- تزييف متعمد أو أنتحال رؤيات متعمدة Deliberate falsification

                  ويبدو أن الحذف والانتقاء والانتحال سببه مسيحي بحت خاصة بعد أن ثار ضدهم المسيحيون فيالعصور الوسطى عندما اطلعوا على ما في كتبهم ضد المسيحيين من أحقاد ودسائس جهنمية.

           أما لماذا لا نقبل الحجّة الأولى فسببه أنه لا داعي للنسخ من المخطوطات القديمة، لأن التلمود قد طبعقبل ظهورالطبعات الجديدةعشرات المرات في القرون الوسطى وأكثر هذه الطبعات أمانة وكمالاً هيطبعة البندية التي اضطرتالكنيسةإلى تطهيرها، كما يظهر في هذا النص لكتاب اليهود. فالنصالحالي لتلمود فلطسين في حالة فاسدة جداً. والنساخ الذين نقلوه لم يترددوا في تصحيحه كلما وجدوا أنالمعنى بعيد عن إدراكهم، وقد تكرر وقوع ذلك كثيراً بسبب أسلوب التلمود، وبسبب لغة النص غير المألوفة. ومشكلة النص هذه أدت إلى زيادة هذه الأخطاء، التي يقع فيها النسّاخ مثل وقوع التباس بين حروفمتشابهة وحذف حروف، وترك سطور وإساءة فهم الرموز.

      ويتضح من هذا ان تلمود اورشليم على حالته الموجودة حالياً غير دقيق، وان تلمود بابل ناقص، ولايعني هذا، إلا أن اليهود تمكنوا من اخفاء تعاليم تلمودهم الهدامة في انظارنا، اما هم فيعتمدون على النسخالآلية التي طبعت في البندقية. جدير ذكره ان تلمود فلسطين مكتوب بالعبرية أو الآرامية الغربية، ويشتملعلى ما يقارب الـ 750,000 ألف كلمة، و 15 % منها ها جادله Haggadah أي انها القصص والحكاياتاليهودية، وهذه القصص الخرافية هي أساس الإسرائيليات التي تمثل أعلى مراحل الانتقاء والانتخابوالانتقال التي مارسها كتّاب اليهود في كتابة تلمودهم.

ثالثاًتلمود بابل:

              وهو التلمود الذي اكتشفه علماء اليهود بعد موت ( يهوذا هاناسي) التي كان قد ترك اشياء كثيرةدون تدوينها فيالمشناه“. ونص تلمود بابل أساسه مشناه يهوذا هاناسي مع الشروح التي كتبهاالحاخام أبا أريكا Abbas Araka في مدينة صُورْSurah وأهم الكُتب التي ألفت بعد موته  لــ ( توسفتا) Taasefta وأهم محتوياته: هاجاداه، أي القصص، ومنها تستنبط الأحكام.

            وبعد أن زادت المناقشات والآراء التي اتفق عليها الحاخامات، خافوا من ضياعها في حالة عدمالتدوين، وأول من قام بتدوين تلمود بابل هو الكاهن أشي Ashi المتوفي 427 م بمساعدة رابينا Rabina ،وكان يهوذا هذا يؤكد على أن تكون في أيدي اليهود شريعة معتمدة، وكتاب يَدرسَهُ الطلبة اليهود لينظممعاملاتهم الحياتية وقد أكمل الحاخام رابينا بارهونا Rabina bar Huna المتوفي 499 م الذي كان عملآشيالذي مات قبل استكمال مشروعه. وقد قام الحاخام (سابورائيم – Saboraim ( في القرنين السادسوالسابع الميلادي بوضع الحواشي والشروح على نسخة رابينا، وفصّل في الأمور المختلف في أمرها، وممّايجدر بنا ذكره هنا، أن الكنيسة اليهودية أو المذهب الحاخامي، وهي أهم مرجعية دينية يهودية لم توجد إلاأثناء السبي البابلي، وبذلك حلّ محل الهيكل وسمي الكنيس بإسم بيت التجمع House of Assembly (Ret Hakencsset)

ويتضح من الاسم نفسه الغرض الذي أنشأت من أجله الكنيسة، وهو نفس الغرض الذي استهدفه تدوينالتلمود.

المآخذ على تلمود بابل:

         تذكر العديد من الدراسات من ان ( تلمود بابل) كان قد جمع ومن ثم طبعت بعض فصوله سنة 1484 م،إلا أن الطبعة الكاملة نشرت في البندقية فيما بين الاعوام 1520 و 1523 م، أما نسخة بازل Basel ، فقدخضعت للرقابة الكنسية التي حذفت منها أشياء كثيرة. وطبعة أمستردام بين الاعوام 1644- 1648 م لمتشوّه كثيراً رغم خضوعها للرقابة. والطبعة المعتمدة هي طبعة Romm المنشورة في فيلنا Vilna سنة 1886 في عشرين مجلداً. وأخيراً طبعة لتلمود بابل نشرها ستراك Stack سنة 1912 عن نسخة كانت قد أعدت فيميونيخ في أواسط القرن الرابع عشر الميلادي. ويذكر المهتمين بالدراسات اللاهوتية اليهودية العامة:

– ” إن أحد أهم الأسباب لعدم بقاء مخطوط كامل لتلمود بابل هو التعصب الديني المغالي للمسيحية فيالعصور الوسطى، الذي في دراسة التلمود لا يمكنه اكتشاف اغواره، وأن التلمود المترجم لا يعطي فكرةصحيحة عن حادثة، وأن هذا التلمود بدون شروحه العديدة كـ ( شرح الحاخام راشيRashi   ) لا يعدو أنيكون كتاباً مغلقاً بقفل!!”.

           وذكرت المصادر نفسها أن: ” سلطة التلمودكمستودع للقانون الشفاهي وتعاليمه او شريعته خطرعليها كونها تعليمات سماوية ( إلهية) عند اليهود الأرثوذكس ( مستقيمي العقيدة). ومن هنا تعتبر ( تعاليم) التلمود إلزامية وثابتة غير متغيرة. أما اليهود المحافظون والإصلاحيون فلا يقبلون السلطةالإلزامية الكليّة للتلمود، رغم اعترافهم بالدَور العظيم الذي لعبه التلمود في تحديد وحسم عقائد اليهودية أونظرياتها. حيث يذكر کتا Hebrew Literature أن الفصل الرابع من الرسالة الرابعة في التلمود، الذييسمى سنهدرين Senhedrin ، يوجب على اليهود إقامة مجمع قومي عظيم Gret National Senate سنهدرين. والفصل العاشر من نفس الرسالة يسمى العقاب Punishment ويتضمن وسائل العقاب والردعضد اليهود الخارجين على السنهدرين. ومما يجدر ذكره أن السنهدرين موجود الآن فعلاً تحت ستار شركةتمويل يهودية Jewish Financirs ، ويسيطر مباشرة أو غير مباشرة على ما لا يقل عن ثلث رأسمال العالم،ولم يقتصر عملها على ردع اليهود فحسب وإنما تجاوزحسب الخطة اليهودية الجديدةليكون رادعاًللنظم والحكومات التي لا تتماشى سياستها والسياسة الصهيونية. والسنهدرين حكومة عالمية خفية، تعملبالاشتراك مع وكالات المخابرات الغربية ونظمها وصحافتها التي يهيمن عليها اليهود أصحاب السنهدرين.

                 أما القانون الشفاهي، فيسمى بالعبرية Torah al ، فهو يعد جزءاً من التعاليم اليهودية المعترفبها، غير الموجودة في التوراة الذي كان قد اختلقه الحخامات بحجة تنظيم المعاملات الداخلية لليهود ليزدادتماكسهم وتسلطهم على المجتمع بالتالي.

          وقد ابتدع احبار اليهود، ابتداءً من ( الفريسيين) شرائع أخرى بحجة أنها مروية عن النبي ( موسى) عليه السلام، غير تلك المدونة في التوراة، وسموها التعاليم الشفاهية، زاعمين أنه حيث أن موسى لم يكتبهذه القوانين فلا يجوز لأحد كتابتها، وكان الحاخامات يتناقلونها سراً جيلاً بعد جيل. وبعد التمرد اليهوديالفاشل على اليونانيين سنة 135م بقيادة باركوبا Barkochba بدأ اليهود يجمعون هذه الشرائع السرية فيكتابالتلمودخشية ضياعها.

       وكانت هذه الشرائع أو السُنن أو القوانين أو نظام المعاملات اليهودية التي تُعرِف بأسم ( المكتوبالموسوي والشفهي الحاخامي) يُعدان مماثلين في الأحكام عند اليهود الذين لم يفرقوا بينهما أكثر منالتسمية الحرفية، على ما للمهتمين باللاهوت اليهودي ومنهم الدكتور جوزيف باركلي الذي يقول:

– ” الاساس الكلي الذي تقوم عليه الشريعة اليهودية او القسم الثاني منها التي هي التعاليم الشفاهية، هوعدم الالتفات لما صرح به موسى في التوراة. هذه الكلمات أو ( الوصايا العشر) قد كلّم الله بها كل جماعتكمفي الجبل من خارج النار والسحب والظلام الكثيف بصوت الملك، وهو لم يزد عليه شيئاً آخر“.

وقال أيضاً: ” إن تدمير الهيكل اعطى اليهود محركاً لحماس ديني شديد، أثير احياناً بالخطأ، وبالصواباحياناً أخرى. ولكن هذا الحماس الديني يزداد وسيزداد لأن النهاية العظمى تقترب“.

ومن أنواعهم:

1- الفريسيون areesis ، الذين ظهروا لأول مرة قبل الميلاد بمئتي سنة، وتبؤوا المسرح اليهودي حتى مئتيسنة بعد الميلاد، هم الذين أوجدوا التعاليم الشفاهية، وهم يتبعون الحاخام عزراEzra   المتوفي 444 ق. م. والكتبة اليهود الأقدمين الذين يُشار إليهم بإسمرجال الكنيس العظيم Men of Great Synagogue” الذين يعتبرونعزراأكبر معلم يهودي بعد موسى ( عليه السلام).

2- الهيلنيون Hellenists ، الذين أضافوا إلى الدين عناصر من الفلسفة اليونانية.

3- العلاجيون Therapeutists الذين علموا أن السعادة الفائقة Happiness   Supreme يمكن الحصولعليها عن طريق العبادة الغنوصية Meditation.

4- الهيروديون السياسيون Political Herodians أتباع الملك اليـــــــهودي هيرود Herod ( الخاضعللامبراطورية الرومانية) الذي مات سنة 4 ق. م، وكان من أتباع الصادوقيين، يذكرهم الانجيل في عدة أماكنكأعداد لسيدنا المسيح ( عليه السلام).

5- المتعصبون The eats المتطرفون في اتبّاع أحكام الدين. والملاحظ ان هذه المدارس رغم اختلاف مؤسسيهالكنهم يشتركون في سمتين أساسيتين وهما الانتقال التاريخي والغنوص أو التأمل الديني.

تلمودا بابل وفلسطينمقارنة تاريخية دينية:

           يختلف ( تلمود (فلسطين) كثيراً عن مثيله ( البابلي)، كماً كيفاً، فمادة تلمود فلسطين ثلث ما يحتويههو من تلمود بابل، كما أن تلمود ( فلسطين) ينقصه العمق المنطقي Dialectic Profundity . والشمولالفكري والتفسيري الجامع اللذين يمتاز بها تلمود بابل يعود إلى أن تلمود بابل قد ألِّفَ في فترة استغرقتقرناً من الزمان، في فترة سلام ، في فترة سلام وأمن مدينة بابل. أما تلمود ( فلسطين) فجُمِعَ على عجل، وفيظروف غير مساعدة بسبب اضطهاد الرومان لهم. وتلمود فلسطين يختلف كذلك في لغته، فلغته عبريةتتخللها العبارات الآرامية الغربية. أما تلمود بابل فأكثره دُوِّنَ بالآرامية الشرقية، التي نُسجَت فيها عباراتبالعبرية، ويتضمن كلمات عربية وسريانية ويونانية ولاتينية وكلدانية.

       بيد أننا يمكن ان نجد بعض أوجه التشابه الكثيرة بين التلمودين، وحسبما نعتقد ان سبب هذا الاشتراكانما يعود لأن مصدرهما واحد، كما أن بابل ليست بعيدة عن فلسطين، فقد كان علماء البلدين يتبادلونالزيارات ويستفيدون من آراء الآخرين المملوء بالإثم  Sinful book . وكلما يشير التلمود إلى هذهالموضوعات تمتلئ لهجته بالمقت الشديد والكراهية للآخر.

الغنوص في شرح التوراة والتلمود / سُنَنْ اليهودي:

          أساس الديانة اليهودية يتحدد فيالقواعد الثلاثة عشر، وهذا المنطق هو الذي يستخدمونه فيشرح التوراة والتلمود، وهي عبارة عن مجموعة من القواعد الغريبة والمتناقضة والمعقدة، ويمكن تلخيصهابما يلي:

1- المساواة Equality الاستدلال على شيء بشيء، للتشابه أو المماثلة بينهما.

2- الخفيف والثقيل Light and heavy وهو الاستدلال بشيء قليل الأهمية على شيء كبير الأهمية.

3- إيجاد الأب The building of the Father من خلال الاستدلال عليه بما يلي:

أالاستدلال عليه بحكم ورد في القانون ( التوراة) على حكم آخر ورد في بعض المواضع الأخرى من التوراةنفسها، للتشابه بينهما.

بالاستدلال عليه بحكم خاص ورد في التوراة على حكم عام ورد فيه أيضاً.

4- العام والخاص  والاستدلال عليه حين يوجد حكم عام وآخر خاص فالخاص يُلزم العام.

5- الخاص والعام  ويتم الاستدلال عليه بحكم خاص على حكم عام.

6- العام ، الخاص والعام Universal, Particular and Universal حين يوجد حكمان عامان وحكم خاص،الحكم الخاص يقيد الحكمين العامين.

7- العام الذي يحتاج الى الخاص، والخاص الذي يحتاج إلى عام

8- وان أي حكم عام يتبعه الحكم الخاص، يكون هذا الأخير لتعضيد الحكم العام

9- اما إذا كان هناك حكم عام مع استثناء، فالاستثناء يخفف من ذلك الحكم ولا يشدده.

10- إذا كان هناك حكم عام مع استثناء لا يتفق مع ذلك الحكم العام، فالاستثناء هنا لابد وانه يسعى الى انيخفف من الحكم ويشدد فيه كذلك

11- إذا كان هناك اسثناء من الحكم العام لتأسيس أمر جديد لا يمكن اخضاع ذلك الأمر الجديد للحكم العام،إلا إذا كان ذلك مذكوراً في النص.

12- الأحكام التي تستفاد من سياق العبارة، والأحكام التي تستنبط من النتيجة 

13- إذا تعارض نصان ( لا حكم) حتى يوجد ( نص) ثالث للفصل بينهما

وقد علّق الدكتور جوزيف باركلي على هذه القواعد كما يأتي:

– ” إنّ الحاخامات وضعوا عبئاً ثقيلاً على أكتاف الإنسان“.

وربما فيما ذكره هو أكثر مثالية ممّا هو موجود في النصوص الدينية.


مشاركة المقال :