علاء الخطيب
يوماً بعد يوم تتسع رقعة الهيمنة الصينية على الدبلوماسية العالمية ، وتلعب الصين ادواراً مهما في رسمنظام عالمي جديد ، فعلى مدى أكثر من قرن خضع العالم للهيمنة الامريكية ،بثروتها ومؤسساتها وأفكارهاوتحالفاتها وشراكاتها، بيد أن الحال قد تغير ، و أن زمن امريكا يشارف على الانتهاء، ومن المحتم ان يفسحالمجال للاعب ومنافس جديد وهو الصين ، الذي لا تخفي طموحها في ازاحة امريكا عن موقعها كقطب أوحد ،ففي فبراير (شباط) 2022 أصدر الرئيسان الصيني شي جين بينغ و الروسي فلاديمير بوتين بياناً مشتركاًذكرا فيه مبادئ “حقبة جديدة” لا تحكم فيها الولايات المتحدة العالم، وكان ذلك بمثابة رسالة تحذيرية للولايات المتحدة التي توشك على الغرق.
وبعد النجاحات الكبيرة التي حققها ويحققها الرئيس الصيني “ بينغ ” في الدبلوماسية العالمية كـ التقارب السعودي الايراني و تخلي البرازيل عن التعامل بالدولار واقناع دول اسوية وربما السعودية ودولاخرى بالتخلي عن العملة الامريكية .
وبعد المطالبات الاوربية للصين بالقيام بدور الوساطة في حل النزاع الروسي الاوكراني ، جاء دور الرئيسزيلينسكي ليطلب من الصين بشكل مباشر ان تقوم بدور الوساطة ، ليبلغه الرئيس الصيني شي جين بينغ ان طريق المفاوضات هو الوحيد لحل النزاع مع روسيا .
ويشار إلى أنّ الصين قدمت، في فبراير/شباط الماضي، وثيقة مكونة من 12 بنداً، تعرض موقف بكين منالتسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، ودعت الوثيقة إلى وقف القتال وإطلاق مفاوضات سلام بين روسياوأوكرانيا في أقرب وقت.
وعن هذه الوثبقة قال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنّ “العديد من بنود خطة السلام الصينية يمكن أنتُشكل أساساً للتسوية، عندما يكون الغرب وكييف على استعداد لذلك“.
طلبُ الرئيس الاوكراني ومن قبله الرئيس ماكرون ، ورئيسة المفوضية الاوربية من الصين بالوساطة بينروسيا اوكرانيا، يؤشر الى تراجع الدور الامريكي وضعف السياسة الامريكية في العالم، والاعتراف بالدورالصيني .
ويمكن القول ان زيلينسكي قد فهم المعادلة ، وهي ان امريكا وحلفاؤها لايريدون حل المشكلة، كما انهم لايساعدون اوكرانيا بغية الوقوف بوجه روسيا والصمود امامها ، بقدر ما يريدون اضعاف روسيا وجعلاوكرانيا بوجه المدفع كضحية ، فليس هناك اهمية لتدميرها وتشريد شعبها .
من ناحية اخرى يبدو ان تراجع الاقتصاد الامريكي وموجة الغلاء التي تجتاح اوربا ، ارسلت رسائل الىاوكرانيا وان كانت غير مباشرة ، مفادها أن الدعم الاوربي قد ينفذ ، وسيقول الاوربيون للاوكران اذهبوا انتموربكم فقاتلوا.
وبالتأكيد ستميل كفة التوازن لصالح روسيا .
فقد طالت الحرب ولم تحقق اوكرانيا اي تقدم يذكر رغم الدعم السياسي والاعلامي واللوجستي.
وكان لابد لاوكرانيا ان تفكر ملياً في هذا الواقع الذي يزداد سوءً كلما طالت المدة .
الصين من ناحيتها مرتاحة لهذا الدور الذي جعلها قطباً قويا فاعلاً وموثوقاً في السياسة الدولية، مقابلالولايات المتحدة ،التي تبدو منزعجة جداً من الصين، وترى ان بكين تنافسها فى قيادة العالم ، وتحتلمكانها ، ولعل ما يثير حنق واشنطن هو رغبة و تجاوب دول العالم مع الصين كوسيط موثوق وعادل .
وقد قامت الصين بالفعل بخطوتها الاولى نحو التهيئة لحوار روسي اوكراني، فقد أكدت وزارة الخارجيةالصينية أنّ شي أبلغ زيلينسكي، بأنّ بكين سترسل مبعوثاً خاصاً إلى أوكرانيا، ودول أخرى لإجراءمحادثات معمقة مع جميع الأطراف، بهدف البحث عن “تسوية سياسية” للنزاع.
تحرك الصين نحو الوساطة بين كييف وموسكو لن يمر دون رد فعل امريكي. تجاه اوكرانيا على الاقل، لكنهسيعطي زخماً كبيرا لبكين ، خصوصاً وان الاوربين يرغبون بان تلعب الصين هذا الدور .
وان لم يجاهروا بهذا الموقف .
والموقف الاوربي بمطالبة الصين في التدخل بحد ذاته يشكل تحول كبير باتجاه امريكا .
مما سيفتح الطريق امام النظام العالمي الجديد ، الذي ترغب روسيا و الصين ان يكون متعدد الاطراف.
لكن السؤال الاهم هل سيتشكل النظام العالمي الجديد دون حرب ومواجهة ، وهل ستستسلم الولايات المتحدوالعالم “الليبرالي“ للرؤية الصينية الروسية ؟
وهل ستساهم الدول المناهضة لامريكا في دعم المشروع الصيني الروسي ؟
فبكل الاحوال التحول الى النظام الجديد لن يكون سهلا او سلساً ودون ثمن .