المستقل / لندن
ظاهرة الصالونات او المجالس و الدواوين الثقافية والأدبية ليست جديدة، فقد دأب الأدباءوالمثقفون ان يجتمعوا ليتطارحوا همومهم المشتركة في مكان ما يطلق عليه بالديوان او المجلس اوالصالون بالفرنسية ، يكون عادةً ملتقى الشعراء والفنانين والمهتمين بالشأن الثقافي ويكون اماللمتعة او لصقل الذائقة الجمالية على رأي الشاعر والناقد الروماني هوراس.
وحينما تداول الناس مصطلح ” الشعر ديوان العرب “ كانوا يقصدون ان تلكالمحافل التي كانت تعقد للاحتفاء بالشعراء وقصائدهم والمثقفين ةالحكماءوافكارهم ، وكذلك كانت الدواوين لحفظ أنساب العرب وتواريخهم وذكر مفاخرهم، .
وتحفل المصادر العربية بالكثير من الكتب التي أفردت للمجالس صفحاتها، ومن أهمهاكتاب الأغاني وتاريخ الطبري ومعجم الأدباء ووفيات الأعيان وغيرها .
وغالباً كانت ولا زالت الدواوين والنوادي. الادبية والثقافية تعكس مظاهر الحياةالاجتماعية والسياسية والعلمية عند مرتاديها وللمجتمع الذي. يعيشون فيه .
فقد نقل لنا التاريخ صورا مشرقة عن الدواوين والصالونات الادبية في عصر
أمراء الغساسنة والمناذرة ، فقد عقدوا مجالساً للأدب في قصورهم ، و اعتاد الشعراءالتوافد عليهم ، ومن ذلك ما حكيَّ عن النابغة الذبياني مع النعمان بن المنذر الذي غضبعليه إثر وصف النابغة للمتجردة زوج النعمان وصفاً فاحشاً، مما دفعه للهرب إلى بلاطالغساسنة، والشاعر طرفة بن العبد الذي هجا عمرو بن هند وأخاه قابوس بقصيدة كانتهذه القصيدة سبباً في مقتل طرفة بن العبد بعد أن وصل خبرها للملك فأمر عامله فيالبحرين بقتله.
وعلى دربهم سار الخلفاء الأمويون الذين اهتموا بالثقافة العربية فأرسلوا أبناءهم إلىالبادية لإتقان اللغة وحفظ الشعر، واهتموا بعقد المجالس، فهذا عبدالملك بن مروان، الذي جمع الثالوث الشعري جرير والفرزدق والأخطل، وآخرين منهم كثيّر عزّة وغيرهم .
وفي القرن الحادي عشر الميلادي عقد اول مجلس ثقافي عربي في مدينة قرطبة بالأندلس. لولادة بنت المستكفي ، الذي كان يجمع الشعراء والأدباء وكانت ذات جمال ومعرفة بفنون الأدبفألهمت بذلك الوزير الشاعر ابن زيدون وكتب قصائد هي من عيون الأدب العربي.
وكتب لها الابيات الشهيرة “ اضحى التنائي بديلاً عن تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
كما عرفت فرنسا الصالونات الأدبية في القرن السابع عشر وتزايد عدد الصالونات حتىأصبحت ظاهرة في القرن الثامن عشر ، واكتسبت طابعا عالميا، وكانت هذه الصالونات تجمعألوانا من المتع الحسية والفكرية، من أدب وفكر وثقافة وفنون، وأصبحت سوقا لتبادل الآراء،ومجالا رحيبا للأحاديث المتنوعة، وتتناول كل جديد وطريف، من استعراض موضات الأزياء إلىالأفلاطونية الحديثة، ومن أدب رفيع إلى مناقشة قواعد الإملاء .
ظلت ظاهرة الدواوين الثقافية ظاهرة نخبوية ، فقد أينعت في بيوت الامراء وعلية القوم كما حصلفي مصر حينما انشأت الأميرة نازلي بنت الامير مصطفى فاضل في قصرها بالقاهرة مجلساًادبياً ثقافياً تردد عليه كبار الشعراء والمثقفين ورجال الدين من المصريين والأوربين
منهم الإمام محمد عبده، وسعد زغلول، وقاسم أمين، ومحمد المويلحي وآخرون ممن ساهموا فيتطور الحياة الثقافية والاجتماعية في مصر .
وشهدت حلب تأسيس صالوناً برعاية ماريانا مراش (1849-1919). وكانت ماريانا أول أديبةسورية برزت في مجالات الأدب والشعر والصحافة .
ومن أشهر الصالونات العربية وأحفلها بالشخصيات المعروفة ، صالون الأديبة مي زيادة(1886-1941)، التي برعت في مجال الأدب مبكرا وأخذت بحظ وفير من الثقافة، وكانت تجيدالفرنسية، الإنجليزية والألمانية، بالاضافة للعربية .
وفي المغرب تزخر ثقافات الصالونات الأدبية بلقاءات وأمسيات راقية تكون فيالعادة في بيوت الفنانين او الأدباء و المفكرين ففي مدينة الدار البيضاء اشتهر
صالون الفنانة التشكيلية زهرة زيراوي، او الصالون الثقافي بمدينة فاس وغيرها
واليوم تشهد بغداد عشرات المجالس الثقافية التي تزخر بالنخب المثقفة . كمجلس الشعر بافومجلس الربيعي ومجلس الصدر وغيرها.
وكان لمدينة لندن عاصمة شكسبير وديكينز نصيب من الدواوين الثقافية العربية،فقد أسس أكاديمي عراقي مولع بالفن والادب ، والمهتم بالشأن الثقافي والفكري ، وهواستاذ في اكاديمية الفنون الجميلة ببغداد سابقاً ومترجم حاذق وقارئ نهم . فيالعام 2018 عزم الدكتور سعدي الشذر ان يرى النور أول ديوان ثقافي أطلق عليهديوان الشذر الثقافي الذي حمل اسمه ، ، في بيته العامر الذي جعله محجة الإبداع لكل العرب وقد جمع نخبة كبيرة من المثقفين والفنانين والشعراء ، والاعلاميين ، وقد تم افتتاحه بعرسثقافي كبير، وسط استبشار من لدن رواده، وقد اعتبروه بيت الكلمة الحرة ومصنع الجمال ، الذيجاء كضرورة للمثقفين وليس ترفاً ، لينتج جمالاً وفكراً وعطاءاً . وكان يوم افتتاحه عرسا ثقافياًوحدثاً يؤسس لمرحلة قادمة من عمر الثقافة العربية في لندن . وقد استقبل في جلساته شعراءوفنانين ومفكرين واسماء لامعه في عالم الثقافة العربية
كالشاعر الكبير ادونيس والمخرج العالمي أنور قوادري. والدكتور سيار الجميل . والكاتبالسوداني المستشار ناجي إدريس و الدكتور والمفكر المصري صبري حافظ والفنان المغربي رشيد غلام، والباحث خزعل الماجدي
وهو مستمر في عطائه وعمله، فهو حديث في تأريخه كبيراً في طموحاته.
إلا جائحة كورونا التي اوحشت الديار وجعلتها قفاراً اوقفت هذا الهدير الهادر وتوقفت نشاطات الديوان .
لكن طموح الشذر لم يتوقف بل يتزايد في العودة الى سابق عهده.
فهو يستعد ان يفتح ابوابه من جديد، ليلامس المشاعر والابدان حسياً و لينعشالحياة الثقافية التي كادت ان تكون افتراضية عبر شاشات صماء عجماء تُصحِّرالارواح .
علاء الخطيب