نعمة العبادي
يعد الفعل السياسي اعقد انواع الفعل الاجتماعي لتداخل جملة مدخلات في تكوينه حيثيتمازج (الذاتي بالموضوعي) و (الفكري بالإجرائي) و (الأيدلوجي بالواقعي) و (الامنيوالسياسي والاقتصادي والاجتماعي) و (المفترض بالمفروض) وغيرهن من المدخلات، وكلماكان الفاعل اكثر اهمية في المشهد السياسي او ان الفعل اكثر خطورة وآثار في المحصلةالسياسية زادت هذه التعقيدات، لذا تذهب معظم مدارس التحليل السياسي إلا عدمامكانية تحديد سبب واحد يقف وراء الفعل السياسي، وإنمت هناك حزمة اسباب يمكنترتيبها من حيث الاهمية.
يفترض محللو السياسة إنه لا توجد عفوية او صدفة في اي سلوك سياسي، لذلك تدأبالنماذج التحليلية الى تفكيك الصورة والمشهد الى ادق التفاصيل، فيكون (لمحل الوقوف،اللباس، حركة الجسد، نبرة الصوت، طريقة الكتابة، الموقع المختار، الوقت المختار، الالوان،الاشكال، الشعارات، التراتبية، الترتيب، التوقيت،…. الخ) لكل منها مدلوله ورسالته، ولايمكن للفاعل السياسي ان يراهن على فكرة الحمل على سبعين محل بل ولا محملين حتى،بل لا بد ان يكون كل تصرف مقصود وموجه.
تزايد هذا التعقيد في توسيع مساحة العلن من خلال امكانية الاطلاع وعرض معظم فعاليةالمشهد السياسي في الوسائل العلنية، لذلك صار معظم الفاعلين السياسيين في المواقعالمهمة حريصين على اختيار مستشارين وخبراء ومصممين ومراقبين ومدققين في كلصغيرة وكبيرة، حيث يتم صياغة الرسالة عبر جملة رموز تتكثف لانتاج المشهد المطلوب،ويبقى الرهان النهائي على قدرة التوصيل وشبكة المرموزيات وقابلية المستلم وقاموس فكالشيفرة.
انخرط جزء كبير من سياسي. ما بعد ٢٠٠٣ في تنميطيات رمزية معظمها تقوم علىالعفوية والاقتباس والتكرار، ويندر ان تكون رسائل سياسية مصممة بعناية، فيمكننا تذكرمشهد افتتاح البرلماني الحالي او مشاهد اخرى خلال مناسبات سابقة حيث تظهرالعشوائية في استخدام الرمز مع اجترار ومحاكاة حولت الكثير من هذه الرموزوالفعاليات الى محل للتندر والسخرية، واصبحت مادة دسمة لمواقع التواصل الاجتماعي.
لا يدرك الكثير من هذه الطبقة، ان اهم شروط وصول وفهم الرسالة، وجود تباني وفهممشترك للترميز بين المرسل والمتلقي، فلا يمكن ان يعتمد صانع الرسالة على قصده لمدلولالرسالة فيما يقرأها المتلقي بشكل مختلف ومغاير تماما.
مما لا شك فيه انه من النادر ان يكون احد من القوى والشخصيات قد قرأ او تعلم شيئا فيمايتعلق بالتسويق السياسي والرسالة الاعلامية والايقونات والرموز وعلاقتها بالفعلالسياسي ومخرجاته، كما انه المستبعد ان يتم الاعتماد على مختصين في هذا المجال،لذلك تزدحم الساحة بعشوائية ورسائل متضاربة ومتناقضة من مرسل واحد واحيانا فيلحظة واحدة.
شاهدت اليوم في كل ساحات الفعل السياسي سواء في البرلمان او خارجه هذا الاضطرابوالعشوائية في توظيف الرموز والاشكال وحتى اخراج الفعل السياسي ذاته، كما ظهرتالطريقة التي قزمت الحدث ووضعته في اطار اصغر بكثير مما ينبغي ان يدل عليه.
الوعي بالممارسة السياسية ليست حشد مصطلحات وتنميق كلمات، ولا هي بياناتوصور وخطابات، بل هي حصافة وذكاء وخبرة ومهارة وسعة اطلاع ومتابعة ورصدتجارب ناجحة وفاشلة فضلا عن تزود عميق بمعارف اساسية تجعل الممارسة السياسيةقائمة على اسس صحيحة بغض النظر عن مدلولها ومقصودها.
الاختناق السياسي والتدافع المتصاعد يحتاج الى وعي عميق بالممارسة السياسيةالمتعلقة بإدارة الازمات، وفوق ذلك كله ومهما قيل عن جواز بل وجوب النفعية في السلوكالسياسي، لا بد من ان يكون الحد الادنى من الضمير الضابط ومراعاة القيم العلياوالمصالح الاساسية للدولة والشعب، وهي محددات لا يجوز تحت اي مسوغ تعديها.