تحقيق: مريم ماجد
شرف العمل وكسب القوت بعرق الجبين من اشرف القيم الانسانية ، وعمل المرأة يعكسمكانتها واستقلاليتها ، كما يعكس مدنيَّة وتحضر المجتمع ، و لكل مجتمع خصوصيةوقيم ترتبط بثقافته .
فربما نجد ما يستسيغه مجتمع ما يرفضه اخر. والعكس صحيح ، وهذا راجع للعاداتوالتقاليد والقيم المجتمعية .
فهناك بعض الاعمال لا تناسب المرأة ، بل تحط من كرامتها ، وتحولها الى سلعة تتقاذفهاشهوات الميسورين ونزوات المتسكعين، في هذا التحقيق الذي اجرته جريدة المستقل عنظاهرة عمل النساء في الملاهي الليلية والبارات، و اماكن اللهو التقينا بمجموعة من السيدات العاملات في هذا الحقل لاطلاع على ارائهن .
التسول اوصلني لنادٍ ليلي
نريمان (18 عاما) تعمل نادلة في أحد البارات الليلية في منطقة الكرادة ببغداد، تبدوشاردة الذهن وسط الطلبات الكثيرة التي تلبيها للزبائن، تتذمر احيانا ، ولكن عليهاالاستمرار في عملها وكسب قوتها أوصلها التسول القسري الى ناد ليلي عن طريقالصدفة، وبقيت تعمل فيه لإدامة حياتها وحياة طفلة صغيرة لها.
بدأت معاناة نريمان عندما انتقلت الى عائلة عمها بعدما توفي أبويها في حادثة سيارةوهي لازالت طفلة صغيرة، وبسبب فقر عائلة العم، تم تزويجها لأول شخص طلب يدهاوهي لم تبلغ الثالثة عشر. تقول : تعرضت للعنف والضرب بعد اليوم الأول من زواجها. كانزوجها كما تروي سكيراً ولا يعمل، “تحملت الاذى والإهانة منه، لأني لم ارغب بالعودة الىبيت عمي”. و ما زاد من معاناتها هو طلب زوجها ان تنزل الى الشارع لاستجداء المال، ذاكانه كان عاطل عن العمل. “ تضيف نريمان : من هنا بدأت معاناتي الحقيقة، فكل يوم احملطفلتي الصغيرة وارتدي الملابس السوداء والعباءة وتحت لهيب الشمس الحارقة استجديالمال في الكراجات والتقاطعات في مناطق الكرادة والعلاوي واتعرض يوميا الىالمضايقات والتحرش الجنسي”.
تذكر نريمان
ان حياة التسول اوصلتها الى ناد ليلي وبدأت تتقاضى أجور مغرية، الأمر الذي دفعهالاتخاذ قرار الانفصال عن زوجها. تترك ابنتها مع صديقةٍ لها عند ذهابها للعمل مقابل أجرشهري. تتعرض الفتيات اللواتي يعملن في هذه الاماكن وفق رواية نريمان الى الاستغلالمن قبل الزبائن ومن قبل اصحاب هذه المحال تحديدا وتقول، “منذ اليوم الاول الذي قابلنيفيه صاحب هذا البار اتفقت معه إني اعمل بصفة نادلة او راقصة لكني لا امارس الجنساطلاقا ومع ذلك لم ينفع الامر فقد أجبرني صاحب العمل على ممارسة الجنس معه “.
اعلان في الفيسبوك
فرح (16 عاماً) تعرضت الى نوع آخر من الاستغلال. فبعد انفصال والديها بقيت معاخوتها الثلاثة الصغار دون معيل للعائلة. والدتها أُمية ولا تملك مهنة تعيل من خلالهاأطفالها، الامر الذي دفعت فرح للبحث عن فرصة عمل على مواقع التواصل الاجتماعي،الفيس بوك تحديداً حيث وجدت اعلان على احد الصفحات يطلبون فيه عاملة في مسبحفندق فلسطين مريديان ذات وجه جميل وبعمر العشرينيات. فرحت الفتاة كثيرا وذهبت فياليوم التالي الى الفندق المذكور حتى دون تقديم الاستمارة لمقابلة صاحب العمل. “بعدالمقابلة تم تعيني مباشرة في المسبح، صرفوا لي سلفة رواتب ستة أشهر مقدمة”، ترويفرح.
كنت أعتقد في البداية بأنهم تعاطفوا مع ظرفي الصعب، لكن سرعان ما أدركت بأن دفعالسلفة كان ورقة ضغط لمساومتي لاحقا، اذ اتضح فيما بعد حسب قولها ان المسبح يحتويعلى مركز للتدليل. “ظننت انه للنساء فقط لكن بمرور الايام تبين انه مركز لتدليك رجال، لقداصبحت امام الامر الواقع وبدأت ازاول العمل في مركز التدليك حيث كان يرتاده الرجالواحصل على البخشيش اضافة الى 40 ألف دينار اجر يومي”. بدأت فرح العمل في البارالتابع للفندق نفسه دون علم اهلها حيث كانوا يعتقدون انها تعمل مفتشة في المسبح. أقنعها أحد الرجال المرتادين على البار بانه يرغب بالزواج منها وبالفعل تزوجها وانتقلاالى مدينة أربيل ، وقد تبين لها بأن الزوج يستغلها ليجني المال.
العوز المادي يدفعهن للعمل بهذه الاماكن
ان عمل الفتيات القاصرات في النوادي الليلة ليس من أجل الترفيه بقدر ما هو حاجةاقتصادية، انما يعرّض النساء الى متاعب عائلية واجتماعية كثيرة وترى الكاتبةوالإعلامية سعاد الجزائري ان “مناقشة موضوع القاصرات من الجانب القانوني يتمثلبكون العراق دولة وقعت على اتفاقيات وقوانين دولية ومنها اتفاقية حقوق الطفل التيتناولت موضوع عمالة الاطفال فالاتفاقية تمنع تشغيل من هم دون السن القانوني، ويعدمخالفته انتهاك لبنود الاتفاقية”. وتشير الكاتبة الى ان القاصرة مشمولة بهذا النص، لذلكيعد عملها مخالفة قانونية وان العراق أخل باتفاقية دولية وافقها ووقع عليها، اضافة الىاخلاله ببند ثاني وهو تركها للتعليم بسبب العوز. وتضيف الجزائري، “الجانب الثانيوالمهم وهو ارتفاع مستوى خط الفقر بالعراق نتيجة سوء التخطيط الاقتصادي، وانتشارالفساد بشكل مهول، وهذا ما زاد من معدل البطالة وبالتالي انتشار الفقر حتى بينالطبقات المتوسطة التي دفعت ابنائها وبناتها الى سوق العمل لسد الحد الادنى منتكاليف العيش”.
ومن الجانب الاجتماعي اعتبرت الجزائري، بان تدني المستوى المجتمعي في العقودالاخيرة وخاصة بعد 2003، أثر ذلك على الوضع الاجتماعي وتحديدا على المرأةومشاركتها في العديد من مجالات العمل، او التغيرات التي احدثها البرلمان بالقوانين التيتمس حياة المرأة. وتقول بهذا الخصوص، “ان القاصرات الفقيرات اخذن حصتهن من هذاالتراجع فهن امام طريقين، اما الزواج والذي وافق عليه البرلمان واعادنا سنوات الى الخلف،او العمل بأي مجال كان لتنتشل اهلها ونفسها من الجوع”. أما وعي المجتمع العراقي فهوغير جاهز بحسب قولها لتقبل فتاة تعمل في مقهى او مطعم او بار، والذي يعد عملا عاديافي دول أخرى.
لذلك برزت ظواهر صاحبت عمل القاصرات وتم استغلالهن بأمور غير اخلاقية وغيرقانونية وارباب العمل لهم دور كبير في استغلال القاصر، التي من المفترض اجتماعياوقانونيا ان تكون تحت حماية اسرتها وقانون الدولة والمجتمع بشكل عام، لكن الفقروالجوع يصبح سيد المأساة ويدفع القاصر ربما حتى أهلها الى الدخول بمطبات خطيرةلمواجهة فقر قاتل.
لا تستطيع القاصر مواجهة وحش الجوع وعملاق التخلف وشراسة فساد الدولة، لأنهاالحلقة الاضعف امام هذا الدمار، لذلك تنهار وتستسلم امام اي مورد يوفر لها لقمة عيش ومكان شبه امن، ولكن على حساب كرامتها وصيانة جسدها من المتاجرة. وتشدد الجزائريعلى “مسؤولية الدفاع وحماية القاصرات تقع على عاتق الدولة والمجتمع، انما الدولةفاسدة والعائلة فقيرة اضافة الى مجتمع لا يرحم، لكنه بارع في نشر الخطيئة”.
قانون العمل المعطل
تؤكد النائبة السابقة والقانونية ازهار عبدالكريم الشيخلي، على ان “قانون العمل النافذمنع منعا باتاً في المادة 95 / الفقرة الثالثة منه تشغيل الاحداث ليلاً من خلال نص الفقرة: “يحضر تشغيل الاحداث في الاعمال الليلية او المختلطة”، مشيرة الى ان، “عمل الفتياتدون سن الـ(18) غير مسموح في المطاعم والملاهي الليلية من جهتين: الاولى هي الاختلاطوالثانية العمل ليلاً”. وتضيف الشيخلي من ناحية العرف، ان ” مجتمعنا لا يتقبل عملهنفي هكذا اماكن، فضلا عن مسألة مهمة وهي حالات التحرش التي يمكن ان تتعرض لهاوهذا ينطبق على الحدث الذكر ايضا”. وبحسب الشيخلي ان العقوبة التي تواجه صاحبالمطعم او البار في حال تشغيل القاصرات هي عقوبة مخففة جدا للأسف وهي عبارة عنغرامة مالية لا تقل عن الـ 100 ألف دينار عراقي ولا تزيد عن الـ 500 ألف دينار وهذه غرامةبسيطة مقارنة مع الواردات العالية لتلك الأماكن، مقترحة زيادة المبلغ بحيث لا يقل عنالمليون دينار ولا يزيد عن 10 ملايين دينار”.
ملايين من النساء بلا دعم
وكشفت الناشطة والاديبة ايناس البدران عن احصاءات مؤكدة تفيد بوجود أكثر منمليونين أرملة وخمسة ملايين يتيم وأربعة ملايين امرأة غير متزوجة تركن بلا دعم حقيقي،اضافة الى ارقام مشابهه تشير الى اختفاء أرباب الاسر لأسباب متعددة. وتقول البدران،“لكل هذه الأسباب اضطر العديد من النساء الى امتهان اعمال قاسية، ناهيك عن تعرضهاللاستغلال والعنف بكل اشكاله اللفظي والجنسي والوظيفي والأسري والمجتمعي”. انعمل المرأة ضرورة ملحة وليس ترفاً برأيها، خاصة بعد ان اصبحت المعيل الاساسي لأكثرمن 40% من الأسر الأمر الذي يستوجب وضع قوانين لحمايتها وخطط استراتيجيةلتمكينها في التعليم والعمل وتشجيعها على إقامة مشاريعها الصغيرة عبر تقديم السلفالخالية من الفائدة وتغيير الصورة النمطية المتخلفة التي تعيق حركتها وتقدمها وتوعيةالمجتمع بضرورة احترام عملها.
محاولات برلمانية غير مكتملة
وتعقيباً على ذلك تقول النائبة ميسون الساعدي رئيسة لجنة المرأة والاسرة والطفولةالنيابية، في مجلس النواب العراقي منتهية دورته “حاولنا في اللجنة ان نجد حلا لتلكالشريحة من الفتيات العاطلات عن العمل من خلال التنسيق مع وزارة العمل والشؤونالاجتماعية بتكوين مشاريع صغيرة وقد تم العمل بها لصالح خريجات الإعدادية ومعاهدوكليات الزراعة والطب البيطري والعلوم الزراعية الأخرى”. وفيما يخص تشريع قانونيحمي تلك الفئة من المجتمع، تؤكد الساعدي ” قدمنا مقترح بسيط الى اللجنة القانونيةيدخل ضمن قانون العمل والضمان الاجتماعي او اي قانون ممكن ان يخدم هذه الفئة، لكنلم يحالفننا الحظ اذ قدم بوقت متأخر”.
وفيما يخص قانون الضمان الاجتماعي تشير الساعدي، ان لجنة العمل والشؤونالاجتماعية تعمل لأنهاء هذا القانون ولإكمال التصويت عليه للحفاظ على حقوق العاملينفي القطاع الخاص وسنحاول خلال الجلستين الاخيرتين من الدورة البرلمانية الحالية علىاقراره.
الخلل في التشريع
بالنسبة للنائبة ريزان شيخ دلير عضو لجنة المرأة والاسرة والطفولة النيابية، يكمن الخللالاساس في عدم تشريع قانون لحماية الطفل من اول يوم ولادته حتى بلوغه الـ 18 عشرعاما لهذا اغلبهم معرضين الى الاستغلال”، واضافت دلير، “حاولنا خلال هذه الدورةالنيابية السابقة الى تشريع قوانين مناهضة العنف الاسري وقانون حماية الطفل ولكننالم نتمكن من ذلك و نتمنى تشريعهما بالدورة الانتخابية القادمة