علاء الخطيب
كثيرون مَنْ انتقدوا تقارب الحلبوسي والخنجر ، وكثيرون ودوا لو يستمر الخلاف بينالطرفين ، بل راهن البعض على انقسام وتشرذم الواقع السني ، وهلل وطبل للخلافوالتقاطع ، لكن الحكمة تغلبت في النهاية ، وانتصرت. العقلانية. وراح اصحاب الامانيفي أمانيهم يعمهون.
ما اثار اعجابي في المشهد هو سيادة لغة العقل، وتضييق مساحة الخلاف، والترفع عنالصغائر ، والتنازلات التي اتاحت للوئام بالحياة ، الذي انعكس على عموم الشارعالسني في العراق .
لقد قيل لاحد زعماء تحالف السيادة ، ما الذي أجبرك على التقارب مع ” فلان “ وانتالاقوى قال لهم : “العراق يستاهل “ وناسنا تستاهل ومدننا تحتاج الى اعمار.
هذا الزعيم كان قوياً وذو شعبية عالية بين جمهوره ، لكنه اصبح اقوى واكثر قرباً منقواعده الشعبية .
عَرِفَ ان التنازل ليس لفرد، وإنما لوطن ولشعب بكامله.
رهان التناحر و الاقتتال في الواقع السني كان له نسخة ٌ شيعية ، ربما اكثر قوة ،و أقوىزخماً، إلا ان خطوة السيد مقتدى الاخيرة كانت كبيرة ومهمة ، وافصحت عن نضج سياسي، وعمق أستراتيجي بعيد ، اسقطت الرهان .
عرف مقتدى الصدر ان التنازل ليس للمالكي الشخص وليس للاطار الكتلة، بل للعراق ،للامهات و للاطفال، لدماء الشهداء ، لكل عشاق الوطن .
لم يتنازل الصدر بل ارتفع ، و سلك طريق الذين يسالمون ما سلم الوطن، وان وقع الجورعليهم خاصة .
التاريخ سيسجل مواقف الرجال الكبيرة ، ففي معادلة الوطن ليس هناك رابح وخاسر .
العقلانية مفتاح الحل، وهي الطريق الآمن الذي يوصلنا جميعاً ويرشدنا الى الصواب .
الصدر قطع الطريق على الفتنة ، و أبطل رهان المراهنين على الاقتتال الداخلي ، وانتصرلذاته ولهويته وناسه .
ربما انزعج البعض وشعروا بخيبة امل كبيرة، وخسروا الرهان من خطوة السيد مقتدىوعلقوا عليها بمرارة اذ سمعت احدهم يقول ” نص شرقية ولا غربية حكومة لا اغلبيةوطنية” . وكأن الاغلبية الوطنية لا تتحقق الا بالضعف والتناحر واقتتال ابناء الوطن .
الاتصال بالسيد المالكي خطوة في الاتجاه الصحيح ، وايجابية المالكي بالتعاطي معخطوة السيد مقتدى نقطة تحسب له.
ايجابية هذه الخطوة انعكست على الشارع الشيعي ، فكانت هناك عيون امتلئتبالتفاؤل ، وغادرت حالة الشد التي هيمنت على الشارع ، وعطلت العملية السياسية.
بنظرة بسيطة جداً على القواعد الشعبية للطرفين ، سنجد ان هناك حالة ارتياح واسترخاءعمت المدن ويمكن ان تقرأها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي .
تساؤل طرحه البعض عن اسباب خطوة الصدر و عن المفاجئة، وانقلاب المشهد ، فمنالقطيعة الى التواصل و من الرفض الى الحوار.
بلا شك ان هناك عوامل ساهمت بالوصول الى هذا القرار ، ولا أميل للرأي القائل ان ضغطاًإيرانياً مورس على الصدر لتغيير رأيه ، كما لا اميل الى رأي من يقول ان الصدر متقلبالمزاج .
الحقيقة قد تكون بعيدة عما يحلله المحللون، فالايرانيون لعبوا دوراً منذ البداية لكنهم لمينجحوا ، ولعل زيارة قاآني للحنانة كانت خير دليل على بطلان ما يتقوله المتقولون ، قرارالتواصل ان قرار اً صدرياً محضاً .
نعم كانت هناك وساطة ايرانية ، لكنها ليست ضغطاً ولا إلزاماً كما ذهب اليه البعض ،وكانت هناك وساطة لبنانية ربما لم يعرف بها البعض .
كما كان هناك رأي للمرجعية مهم اخذه الصدر بعين الاعتبار.
وهناك متغيرات ساهمت بشكل او بأخر بصناعة هذه الخطوة ، منها ، المحكمة الاتحاديةوقراراتها الاخيرة التي صنعت بشكل غير مباشر هذه الحالة ، وربما الخلاف الكرديالكردي انعكس على هذا القرار ، ولا ننسى ان التأخير منح الجميع فرصة المراجعة والتفكير. وكذلك تقارب الحلبوسي – الخنجر حفز على تغيير نمطية التفكير عند الجميع .
مهما تكن الاسباب فان ما حصل صب في صالح الوطن ، واي تقارب وتفاهم سياسي بينالاطراف السياسية هو نقطة مضيئة وأمل يضاف الى العراقيين.
العراقيون بحاجة الى الاعمار والبناء وتحسين الواقع المعاشي ، وتجسيد الشعارات الىواقع عملي ، ولعل ارتفاع اسعار النفط وانشغال العالم بالحرب الروسية الاوكرانية فرصةكبيرة يمنحها القدر لهذا الوطن ، فهناك وفرة مالية ، يضاف الى الاستقرار السياسي. بالتأكيد سينعكس على حالة المواطنين .
فالعراق يستاهل. والعراقيين يستاهلون.